الأربعاء 2 من محرم 1432 هــ   8 ديسمبر 2010 السنة 135 العدد 45292

كلمة واجبة
بقلم: أسامه سرايا

 

أسامه سرايا

متي تنتهي حكايات الأغلبية والأقلية الدينية في مصر؟ متي نكف عن التفكير بالفئة‏..‏ نعمم فيها سلوك أفراد علي مجموعات كبيرة من الناس؟ ومتي ندرك حقيقة التاريخ والجغرافيا‏,‏

وهي أن مصر بلد يسع علي أرضه جميع المصريين‏,‏ بل ومن يحبهم‏,‏ ويحترم تقاليدهم ودياناتهم وقوانينهم وثقافتهم؟
ليس مصريا خالصا كل من يصنف المصريين علي أساس المعتقد أو العرق أو الجنس‏,‏ طلبا لفتنة لاتصيبن فقط الذين اجترأوا علي أمن هذا الوطن ومصالحه‏.‏ مؤامرات خارجية وبقايا قبلية دينية لاتزال تعمل بيننا‏,‏ تشعل فتيل الأزمات كلما أصابها الرشاد والعقل‏,‏ وانحسرت إلي مكانها الطبيعي‏.‏ مقالة قصيرة نشرها أحد الزملاء في الأهرام حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة العمرانية سفحت دماء شابين مصريين‏.‏ حملت كلماتها بعض تجاوزات جاءت من باب الاجتهاد والخوف أن تتكرر الأخطاء وتشتعل الأزمات
أثارت هذه المقالة بعض إخوة الوطن فتوالت ردودهم غاضبة وشديدة الانفعال‏.‏ بعضها كان من أجل مصر التي احتضنت أبناءها من المسلمين والمسيحيين منذ أزمان بعيدة‏,‏ وبعضها راح يجتر مشكلات عالقة‏,‏ وبعضها وجدها فرصة للتذكير بأحداث كان صانعوها أفرادا أو جماعات صغيرة هنا وهناك‏.‏
وأقدر جيدا كل الردود التي تلقيتها‏.‏ وكنت أتمني لو أن الأمر ظل في حدود ماوقع في شغب العمرانية من أخطاء وخروج علي القانون ومحاسبة الذين أشعلوه‏,‏ ولكن شيئا واحدا فقط جاء بي إلي الكتابة في هذا الموضوع‏,‏ وهو ما يتعلق بقداسة البابا شنودة الذي عرفته منذ سنوات طويلة‏.‏
سنوات ربطت بين رجل علم وثقافة ودين من طراز رفيع‏..‏ وطني يحتل مكانته بين أبرز الوطنيين المصريين المعاصرين‏,‏ وبين مؤسسة الأهرام التي تعمل من أجل وطن يسع الجميع حبا وتسامحا وسعيا من أجل حياة أفضل لجميع المصريين‏..‏ لم تكتف الأهرام يوما بأفكار البابا شنودة تنطلق من صفحاتها إلي القراء في كل أنحاء العالم‏,‏ وإنما دعته مرات ومرات إلي فعالياتها‏..‏ يناقش ويحاور حول قضايا الوطن‏.‏ في قاعات الأهرام وقف قداسة البابا يتحدث عن مشكلات مصر التي تعترض سبل تقدم المصريين‏..‏ تحدث عن خطيئة الأمية في مصر‏,‏ وهي الأرض التي أهدت البشرية أول أبجديات الكتابة
 وفي القاعات ذاتها وقف قداسته يشرح ويناقش مشكلات التكدس السكاني في مصر ويبسط للجميع رؤيته الدينية والاجتماعية والاقتصادية لأبعاد أخطر مشكلات مصر‏.‏ كان حديثه في كل المرات يفيض وطنية مصرية تسكن أعماقه‏.‏
لقد أثبت البابا شنودة في كل موقف أنه أكبر من صفحات يحملها التاريخ القبطي الكنسي‏,‏ وإنما هو أيضا صفحات في ملحمة الوطنية المصرية حربا وسلاما‏.‏ وقف ضابطا في ميادين العسكرية المصرية‏,‏ ومثل كل المصريين درس الشعر وقرضه وأبحر في التاريخ العريض لأمته‏,‏ وأمسك بأطراف ثقافة بلاده‏,‏ وعرف ثقافات المحيطين بها‏.‏ بكل تلك المقومات الثقافية والوطنية ولي أرفع المناصب الدينية القبطية‏,‏ فكان مدرسة في الوطنية القبطية‏,‏ رافدا يدعم الهوية الوطنية المصرية‏.‏ هو أرفع قدرا وأعظم تاريخا من أن ينال منه مغرض‏.‏ فالرجل بفكره وثقافته وسماحته ووطنيته ملك للمصريين جميعا‏,‏ وعطاء من عطاءات أرضها للحاضر والمستقبل‏.‏
في حرب أكتوبر كان بردائه الكنسي يتفقد جبهة القتال‏,‏ حيث المصريون وقوف في أشرف معركة‏,‏ وفي المستشفيات راح يلثم وجوه الجرحي من المصريين‏,‏ وفي مقره البابوي راح يكرم الذين جاءوا بالنصر من المصريين أيضا‏.‏ أعلن باسم الأقباط أننا لن ندخل القدس وهي محتلة‏,‏ وقال قولته الشهيرة علي صفحات الأهرام‏:‏ من يريد زيارة الأماكن المقدسة فعليه أن يزور مصر التي باركها الله‏.‏ وقف طوال تاريخه في وجه أي محاولة للتدخل الأجنبي من باب الأقلية القبطية المزعومة‏.‏
إن تاريخ ومكانة قداسة البابا شنودة أرفع كثيرا من شغب ينشأ هنا أو هناك بأخطاء نفر قليل من المصريين أيا ما كانت عقيدتهم‏.‏ ومثل البابا شنودة لايخضع لتقييم فرد مهما بلغ قدره‏,‏ ومهما كان رأيه‏,‏ وأحسب أن البابا نفسه يعلم ذلك في ظل الظروف التي نعيشها‏.‏ فالأجيال العريضة من المصريين هي وحدها التي تقول كلمتها في رجل بمثل قامته‏.‏ فكم اجترأت أقلام علي رموز دينية إسلامية رفيعة‏,‏ وكم اتهم الإسلام بالإرهاب والمسلمون هم أكثر ضحاياه‏.‏ وكم اكتوينا بنيران أطلقها مسلمون بشطط الفكر وظلام التعصب‏.‏ وبمثل عطاء البابا شنودة سوف نتجاوز مكائد البعض وشطط الآخرين‏