قراءات وتأملات في أناجيل قداسات الآحاد

الأحد الرابع من الخماسين المقدسة
عظة إنجيل قداس
نور العالم

"أنا قد جئت نورا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة"
( يو 12 : 46 )
 

لم يفترق السيد المسيح عن كنيسته مطلقا, بعد أن ظل يظهر لتلاميذه بعد قيامته مدة أربعين يوماً, وعند صعوده بالمجد قال لهم: ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر لذلك تقدمه لنا الكنيسة في آحاد الخمسين المقدسة
أولا : بجسده المقدس خبز الحياة
ثانيا : بدمه الكريم ماء الحياة
وثالثا : بفاعلية الجسد مع الدم نور العالم
فمن يأكل من هذا الخبز ( فلا يجوع ومن يشرب من هذا الماء فلا يعطش ) وينبثق فيه نور الحياة وذلك لأن فى المسيح كانت الحياة والحياة كانت نور الناس, والنور يضئ فى الظلمة والظلمة لم تدركه. ومن هنا جاءت حكمة الإرتباط بين فصول الخمسين المقدسة الكتابية إذ يقول لنا اليوم


1) أنا قد جئت نورا للعالم .
معلوم أن الله نور وليس فيه ظلمة, إنه ساكن فى النور الذى لا يدنى منه, وتسبحه ملائكة النور. والمسيح شمس البر نور من نور, وهو النور الحقيقى الذى يضئ لكل إنسان آت إلى العالم
وهو أشرق جسديا بميلاده من العذراء. وأضاء على الجالسين فى الظلمة, وظلال الموت وهو بقيامته أنار لنا طريق الحياة والخلود أشرق على ظلمة القبر فبدد عز الموت وظلام الخوف
+ الله أنار فى قلوبنا
الله الذى قال إنه يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق فى قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله فى وجه المسيح
كما قال الله قديما فى الخلقة. ليكن نور فكان نور ( تك 1 : 3 ) هكذا أيضا بقيامته المقدسة أشرق فى قلوبنا, وأنار مثل خلقة جديدة فى وسط الظلام لنرى مجد الله فى وجه يسوع المسيح. المسيح هو النور الحقيقى. لا يكفى أن نسمع عنه, بل هو قدم لنا ذاته نورا حقيقا, لنعرفه ونعيشه ونسلك فيه. فالمسيح بعد القيامة , يعطينا نفسه لنحيا به ونلمسه هذه هى بركات القيامة. جسونى. هات اصبعك.

وهذا ما عاشته الكنيسة فى حكمة الرب يسوع فى أناجيل الآحاد السابقة :

أنا هو خبز الحياة", " أنا هو الماء الحى"


+ ولكن كيف نتمتع ب
النور الحقيقى ؟
سيروا فى النور . آمنوا بالنور , لتصيروا أبناء النور , هكذا قال الرب
+ سيروا فى النور ما دام لكم النور.
الذى يسير فى النور فى يعثر لأنه يرى نور هذا العالم . فكم وكم الذى يسير خطواته فى وجه الله ؟ قال داود المرنم الرب نورى وخلاصى ممن أخاف . وقال أيضا سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى فكلمة . فكلمة الرب مضيئة تنير العينين , وتجعل الهدف واضحا وخطوات الإنسان ثابتة , لذلك حينما نرى شعاع الكلمة يبزغ فى حياتنا ونور الروح القدس النارى يضئ فى نفوسنا كنجم المشرق يهدى سبيلنا , فليس علينا إلا أن نسير فيه بلا ارتباك
+ السير فى النور كما يعلمنا القديس يوحنا الحبيب " من قال أنه فى النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن فى الظلمة " ( 1 يو 2 : 9 ) من يحب أخاه يثبت فى النور وليس فيه عثرة . أما من يبغض أخاه فهو فى الظلمة , وفى الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضى لأن الظلمة أعمت عينيه " ( 1 يو 2 : 10 , 11 )


2) آمنوا بالنور :
الإيمان بالنور معناه التصديق والثقة فى مواعيد الله كثقة النور أمام الظلمة . وهكذا يترجم إيماننا بالنور فى حياتنا العملية عندما نتمسك بأعمال النور ونبغض أعمال الظلمة .
+ الذى يحب الطهارة يبغض النجاسة . وبلإتضاعه يغلب الكبرياء , والقناعة يغلب الطمع ومحبة المال وبوداعة يغلب الغضب . وهكذا يظهر إيمانه بالنور بطريقة عملية ويكمل فيه قول ربنا " وليضئ نوركم هذا قدام الناس فيروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات " ( مت 5 : 16 )
إذن الإيمان بالنور ليس كلاما ولكن حقيقة . هو رفض كل أعمال الظلمة كما هو مكتوب : لا تشتركوا فى أعمال الظلمة غير المثمرة , بل بالحرى وبخوها . ومعلوم جيدا ما هى أعمال الظلمة التى يعملها روح الظلمة فى العالم .


3) لتصيروا أبناء النور :
المولود من الله يصير إبنا للنور وهذه هى النعمة التى أخذناها فى المعمودية . لأن المعمودية هى إستنارة . لذلك قيل جميعكم بنى النور , وبنى النهار لسنا من ليل ولا من ظلمة . والقديس بولس يقول : لكى تكونوا بلا لوم وبسطاء , أولاد الله بلا عيب فى وسط جيل معوج وملتو , تضيئون بينهم كأنوار فى العالم . فإن كان هكذا أمر أولاد الله فى العالم . فما أخطر هذا المركز وما أحرج موقفنا اليوم ؟ والؤال الذى يطرح نفسه الآن , هل نحن فعلا نور العالم ؟ إن عدم تمتعنا بالمسيح الحى فينا , وعدم تمتعنا بنور الروح القدس الساكن فينا , واهتمامنا وإنشغالنا بالعالميات وانحرافنا وراء شهوات وخطايا كثيرة صرنا أبعد ما نكون عن النور الذى يضئ للآخرين . ولكن هل نعود نشعل نار الحب الإلهى فينا , وندمج نار الروح القدس بالصلاة والتضرع , ونرجع كل واحد عن طريق خطاياه ؟ لعل المسيح ينير داوخلنا وينير بنا للآخرين
+ أية شركة للنور مع الظلمة
النور لا يختلط مع الظمة . هذه حقيقة يعرفها كل واحد . لذلك كيف يكون فى حياتنا خلط مفزع بين نور الحياة مع الله , وبين ظلمة الحياة فى العالم ؟ نرى هل يتفق روح المسيح وروح العال ؟ إن بسبب هذا المزج صارت حياتنا ممزقة , نريد أن نعيش فى النور وأن نتمسك بالظلام فى آن واحد . نريد أن نتمتع بالصلاة وأن نتلذذ بالمسرات العالمية أيضا . فى أوقات فراغنا نقضى الصباح بعض الوقت فى القداس ثم بعد ذلك لا تفرقنا من أهل العالم فى كلامنا وقضاء وقت راحتنا .
+ لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين ( 2 كو 6 : 14 )
لأنه أية شركة للطلمة مع النور لا ترتبط فى دخولك وخروجك ومعيشتك مع إنسان لا يؤمن بالنور . وليس له شركة مع الله لئلا تفسد حياتك " لأن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة " ( 1 كو 15 : 23 ) . المعاشرات الرديئة تفسد العقل وتطمس المبادئ الشريفة وتهون على الإنسان السلوك المستقيم . أذكر لوط وكيف سقط بعشرته كأهل سدوم وعامورة وسليمان كيف انغمس فى الشر بسبب سوء العشرة , وادود كيف سقط سقوطا مريعا بنظرة قادته إلى القتل والزنا كثير ما يخيل للإنسان أنه قوى بمبادئه, حصين بتربيته محود بعزمه , مكين فى دينه ويدعى وهو غير محصن بقوة المسيح أنه قادر أن يقاوم تأثير العشرة الرديئة. إن إنسانا كهذا غبى عديم الخبرة قليل المران. فمهما كانت قوته فهو ليس بأقوى من اسكندر المكدونى الذى قال: " غلبت العالم أجمع ولكنى غلبت من عشراء السوء "
من يتخيل أنه قوى فهو بعد لم يختبر قوة التجربة, ولا هو اختبر ضعف نفسه. فالتجربة أقوى مما يتصور وهو اضعف مما يظن, وإذا أردت أيها العزيز أن تفهم هذه الحقيقة على وجهها الصحيح فتذكر أن برتقالة واحدة فاسدة تستطيع أن تفسد مائة برتقالة, وأن مائة برتقالة صالحة لا تستطيع أبدا أن تصلح برتقالة واحدة فاسدة
أيها المسيحى أحذر وأنت تعاشر رفيقك فقد يكون جميلا يفوق آلهة الجمال ولكنه خال من الفضيلة, وقد يكون ذكيا جدا ولكنه ساقط دنس . فبعشرتك لأمثال هؤلاء تصبح خاليا من الفضيلة, خاليا من العفاف,و خاليا من الرجولة, خاليا من الأخلاق الفاضلة . نصيحتى لك أيها المسيحى أن تحسن اختيار أصدقائك. ولربنا المجد دائما .