الكتب المقررة على الكلية الإكليريكية

تاريخ كنسى

الصف الرابع

محاضرات فى

تاريخ الكنيسة الغربية 

                             دكتور

                                                                   يواقيم رزق مرقص

  الباب الأول

 

دخول المسيحية وانتشارها في أوروبا .

المسيحية والإمبراطورية في أوروبا :

بدأت المسيحية تظهر في أوروبا في القرنين الأول والثاني ، في منطقة جنوب أوروبا علي يد الرسل الأطهار وتلاميذهم من بعدهم ، كبلاد أسيا الصغرى واليونان وإيطاليا وأسبانيا ، بالإضافة إلى جزر البحر المتوسط . 

وقد بدأ الأيمان بالطبقة الشعبية المريضة فتحها إلي أعلا ، لان الطبقة الحاكمة كانت تخشاها 
(المسيحية ) خوفا علي سلطتها ، حيث ظنوا أن المسيحية ضدهم وضد سلطاتهم ، ومن ثم كان الاضطهاد شديداً من الطبقة العالية للطبقة الدنيا ، في الوقت الذي تمسكت الطبقة الدنيا بالمسيحية كموئل وملاذ لها من ظلم تلك الطبقة ، ووجدوا في إيمانهم بالله ,وما أظهره لهم من حب ومعجزات خير عزاء لهم في حياتهم التي كانوا يعيشونها من اجل متعة طبقة الأغنياء والحكام ،حيث ملؤا بطونهم من كدهم ، وشربوا الخمر من عرقهم       وفي النهاية ساقوهم عبيداً إذا هم تقاعسوا عما اسند إليهم ، أو تأخروا في دفع ما عليهم من ضرائب .

وكان المجتمع عند دخول المسيحية إلى أوروبا ينقسم إلى : طبقة حاكمة رفيعة المستوي في العلم والثروة والجاه ، واخري علي النقيض , كادحة جاهلة ، ولا حول لها ولا قوة ألا الطاعة في إطار من الخوف والفزع .

تكونت الطبقة الحاكمة من : الإمبراطور . وكان لزمن السلطات ما اوصلة إلى حد العبادة ، وفلاسفة يقومون بدور الوزراء مستشاري هذا الإمبراطور ، وحكام ولايات لهم كل سلطات الأباطرة في ولاياتهم , وجيش جرار علي رآسة قائد يحمي هذة الأملاك وقد ظل هذا النظام حتى بعد دخول المسيحية إلى البلاد . وكان الإمبراطور الوثني يجمع في شخصيته السلطتين : المدنية والدينية ، فحمل بالإضافة إلى القابة الرسمية العديدة لقب " الحبر الأعظم " فلما أصبحت الكنيسة مؤسسة شرعية في البلاد اصبح هو بالتالي رئيسها القانوني .

وعندما تخطت الكنيسة مراحلها الأولى والعسيرة في صراعاتها مع الوثنية علي يد الأباطرة السابقين علي قنسطنطين الكبير ، ووصلت إلى آن تكون ديانة " مرخص بها علي قدم المساواة مع الديانة الوثنية " بمقتضى مرسوم ميلان عام 313م بدأت الديانة المسيحية تطفوا علي السطح ، وظهرت أصوات المصلين في أبنية بسيطة ، هي الكنائس الأولى ، إلا أنها كانت مستهدفة لهجات الوثنيين اللذين كانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة .

ومن هذا يبدو أن سياسة الإمبراطور قنسطنطين الوثنية تمثل حلقة انتقال ,كما أنها تعبر عن تطور فكري اكثر منها تحول روحي ، ذلك انه تسامح مع المسيحيين في الوقت الذي لم يظهر الوثنيين ، وعن هذا الطريق حاول أن يمسك العصا من وسطها ليحقق نوعا من التوازن بين الديانتين المسجية والوثنية .

وكان لعطف قنسطنطين الكبير علي الكنيسة وقع عظيم في جميع الأوساط المسيحية ، فاشتد الحماس له ، وعظمت الثقة به ، وقد سارع المؤرخ " اوسابيوس " إلى تنصير الحبرية الوثنية العظمي السابق الإشارة أليها في الخطبة التي أعدها لمناسبة الاحتفال بمرور ثلاثين عاما علي جلوس قنسطنطين ، وجعل من الحكومة الأرضية صورة من الحكومة السماوية ، وقال باله واحد في السماء وحاكم واحد علي الأرض ، وبقانون واحد في السماء وحاكم واحد علي الأرض ، وبقانون واحد في السماء وقانون واحد علي الأرض واعتبر الإمبراطور الروماني مفوضاً من الله .

وثبت أيمان قنسطنطين هذا الرأي ولا سيما احساسة بالرسالة السماوية التي كان يحملها ، واهتمامه بأمور الكنيسة وسعية لتوحيد كلمتها ، ومن هنا خلع علية أساقفتها " الحبر الأعظم "pantifex  M aximus

وجاء الإمبراطور تياؤدوسيوس الكبير ( الأول) (379- 395) أعلن في الثامن والعشرين من فبراير عام 380العقيدة المسيحية ديناً رسمياً  للدولة علي مذهبها الأرثوذكسي ، فأصبحت الكنيسة كنيسة رسمية ، وان الإمبراطور هو " الكاهن الأعظم التقي الأرثوذكسي " وكان هذا هو بداية اكبر أسباب تكبر اساقفه القرب ، وتعاظم مركز البابوية تجاه العقيدة والسياسة والمجتمع ، وتجاهل مركز الكنائس الأخرى وخصوصاً كنيسة الإسكندرية باعتبارها كرسي ولاية من ولايات الإمبراطورية الرومانية .

والواقع أن الاعتراف بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية كانت نتائج بعيدة الأثر بالنسبة للكنيسة ونظمها ،ذلك أن التنظيم الكنسي امتاز أصلا بالبساطة المطلقة في العصر المسيحي الأول ، فلم يكن يتعد الرابطة الدينية بين مجتمعات دينية مسيحية مستقلة بعضها عن بعض ، لكل مجتمع منها أسقف يساعده فريق من القسوس والشمامسة ،

وحقيقة أن بعض هؤلاء الأساقفة امتازوا عن زملائهم بحكم كراسيهم من أهمية قديمة أو ثروة عظيمة أو مساحة واسعة ، ولكن مع ذلك لم توجد هيئة كنسية تمثل سلطة دينية ذات نفوز فعال في الحياة العامة .

وقد ظهر علي رأس الكنيسة عندئذ خمسة بطاركة للخمسة كراسي بالإسكندرية ، إنطاكية . أورشليم . روما . القسطنطينية ، وكانوا في نظر الإمبراطورية الرومانية يمثلون كبار الرؤساء فيها ، ويتبع كلا منهم مجموعة من الأساقفة .

 

حقوق الكنيسة الغربية تجاه الدولة الرومانية :

 

آخذت كنيسة روما تحصل – بصفتها راعية الديانة الرسمية للإمبراطورية – عمل امتيازات خاصة من الحكومة ، وكان أهم هذه الحقوق :

حق الحصول علي الهيبات ، والإعفاء من الضرائب – فضلاً عن قيام الأساقفة بالفصل بين المنازعات التي تنشأ بين المسيحيين ، ولم يلبث أن ازداد نفوذ هؤلاء الأساقفة تدريجياً في أقاليمهم بفضل مكانتهم الدينية من جهة ، وما جمعوه من من أموال الصدقات والهيبات من جهة أخرى ، ولا سيما الصدقات التي جاء بها الخيرون والتي كان يتم توزيعها علي الفقراء والمحتاجين عن طريق الأسقف نفسة ، مما أوجد طبقة من سواء الفقراء مستعدة لتنفيذ أوامر رجل الدين .

وهكذا آخذت ثروة الكنيسة الغربية في الازدياد ، حتى امتلكت الأراضي والضياع الواسعة التي قام العبيد بفلاحتها ، فضلاً عن الهبات التي أغرقها عليها الأباطرة بسخاء من جهة ، والتبرعات التي كان يقدمها الأهالي عن طيب خاطر من جهة أخرى في شكل العشور تنفيذاً لأوامر الرب في الكتاب المقدس .

ولكن يلاحظ انه إذا كان هذا التطور الذي مرت به الكنيسة في القرن الرابع الميلادي امتاز بعمقه وسرعته حتى أدي إلى تحويلها من منظمة بسيطة ديمقراطية ، إلى هيئة وراثية ذات إدارة بيروقراطية مركزة ، ألا أن الكنيسة دفعت ثمناً باهظاً مقابل ما أحرزته من عظمة كلفتها التخلي عن سياسة التسامح من جهة ، وانتشار الفساد والرشوة والمحاباة من جهة أخرى .

ذلك أن النعمة الكبيرة التي تمرغ فيها رجالها أنشأت فجوه بين الاكليروس والشعب ، وبعبارة أخرى فان ازدياد ثروة رجال الدين أدي إلى اختفاء روح الاخوة والمحبة والبساطة والمساواة , وهي الروح التي ميزت الكنيسة الأولى ، وحلت محلها مسحة التعالي والتباعد ثم النفور ، فتباعد الأساقفة عن رعاياهم ، وصار الواحد منهم يجلس علي عرشة الأسقفي كما كان يفعل الحاكم الروماني .

ولم يلبث أن تضاءل قصر حاكم الولاية أمام القصر الأسقفي بعد أن تشبة الأساقفة بالأمراء . أحاطوا أنفسهم بالحشم والاتباع والموظفين .

 

نشأة البابوية :

 

 تطلب موقف الكنيسة الغربية المتعاظم ، ومحاكاتها للإمبراطورية قيام شخصية عظيمة علي رأسها ، كما كان للإمبراطورية  إمبراطور يتزعمها ، وهنا نلاحظ فارقا واضحاً بين كنيستي الشرق والغرب ،ففي الشرق أسلمت الكنيسة زمامها للأباطرة الذين ازداد تدخلهم في الشئون الكنسية ، وبخاصة بين القرنين السادس والثامن ، بحيث جعلوا يتدخلون . لا في سياسة الكنيسة الخارجية فحسب ، بل في نظمها وسياستها الداخلية أيضا . وبهذا اصبح من العسير وقف تدخل الإمبراطور البيزنطي في شئون الكنيسة الشرقية ، حتى اصبح إمبراطور القسطنطينية يمثل نوعا من القيصرية البابوية ، أي الجمع بين السلطتين الدينية والسياسية ، وهذه السياسة هي التي وضع أساسها قسطنطين نفسة منذ اعترافة بالمسيحية وانشائة القسطنطينية .

كما استن قسطنطين سنة جديدة اتبعها خلفاؤه من بعده ، وهي قيام الإمبراطورية بدعوة المجامع الدينية العامة لبحث مختلف مشكلات الكنيسة من هرطقيات أو وضع تنظيمات تتخذ بشانها صدور القوانين .

وتكشف العوامل التي هيئات لاسقفية روما هذة الأهمية والزعامة علي غيرها من اسقفيات الغرب .ذلك أن معروف أن أهمية الأسقف تتناسب عادة والأهمية السياسية والاقتصادية للمدينة التي يقوم فيها كرسيه الاسقفي .

وإذا كان الشرق الروماني غنيا بمدنه الهامة التي صارت مراكز لكراسي دينية كبري مثل الإسكندرية  وأورشليم وإنطاكية والقسطنطينية ، فان الغرب لم يكن يوجد به آنذاك سوي روما .

 

النزاع بين الكرسى فى القسطنطينية والكرسى فى روما

 

 

اعتمدت القسطنطينية علي أنها مركز الأباطرة ، ومحل أقامتهم ، وبالتالي يحق لاسقفها أن تكون له الزعامة الدينية علي العالم المسيحي ، كما كان لامبراطورها الزعامة السياسية هناك ألا انه اضعف من موقفها أن تراث الكنيسة انتقل عن طريق الرسل إلى الكنائس التي أسسها مثل كنيسة إنطاكية والإسكندرية وروما وهنا اقتصرت القسطنطينية إلى مثل هذا التشريف ، لان أحد من الرسل لم يشرفها بالذهاب أليها أو الاستشهاد فيها.

أما روما فيكفيها فخراً ذهاب بطرس وبولس ومر قس إليها واستشهاد الأولين في أراضيها .

وبهذا تزرع أساقفة روما وحاولوا فرض سيطرتهم الدينية علي العالم المسيحي من وقت لاخر أول الأمر ، حيث لم يكن اساقفها محل اعتبار مثل أقرانهم الشرقيين ، ولذلك أصر الشرق علي موقفة من زعامة المجامع الكنسية حتى مجمع خليقدونيا عام 451م ، فقد حاول زعماء الكنيسة الشرقية تأكيد هذة المساواة والمكانة والامتيازات بين كرسي روما والقسطنطينية ، ولكن مندوب البابا في روما عارض بشدة متمسكاً بأنه خليفة بطرس الرسول واعترفت به الاسقفيات التابعة له وفي سنة 455 اصدر الإمبراطور فالنشيان الثالث إمبراطور روما مرسوم يقضي بخضوع جميع أساقفة الغرب لبطريرك روما ، وساعدة علي ذلك ازدياد التجاء أساقفة الغرب إلى استئناف أحكام المجامع والأحكام القضائية اوصفا لأساقفة عند اعتابة .

وهكذا سارت الأمور حتى تحققت للبابوية في روما سيادتها الفعلية في صورة عالمية بدءاً من عهد البابا جريجوري الأول ( العظيم ) 590- 604 بوصفة خليفة القديس بطرس .

وكان هذا التعظيم من شان البابوية الرومانية مؤسساً علي الخلافات الدينية ، التي نظروا أليها من زاويتها السياسية بعكس بابا الإسكندرية وزملائه في الشرق ، مثلما حدث في مجمع خليقدونيا عام 451، وهو المجمع الذي حمل بذور الانشقاق بين الكنيستين بشكل نهائي وواضح

 

انتشار المسيحية فى اوروبا

 

 

 

تسيدت أوروبا في عصورها القديمة نهايتها وعصورها الوسطي علي المشرق كله تقريباً في ذلك الوقت ، وكانت سيادتها سياسية وادارية ، ألا أن المشرق كانت له الباع الطولي في نشر سيادته الروحية والدينية علي أوروبا .

فمن الشرق خرج الدين والروحانية لينشر في العالم القديم ومنه جنوب أوروبا مكان الامبراطوريه الرومانية ، وبتوالي الزمن ظهرت تأثر مناطق بعينها من الشرق علي الإمبراطورية ، وكان من هذة المآثر أفعال ما تزال واضحة ومعترف بها هناك إلى اليوم .

وعندما نتناول موضوع انتشار المسيحية في أوروبا بدء ببلاد الإمبراطورية الرومانية ، لنما يجب أن نوضح مآثر مصر وفضلها علي أوروبا كلها – وليس فقط علي الإمبراطورية الرومانية في هذا المجال .

فقد كان لمصر بالذات فضل السبق في تعريف الأوروبيين بالدين المسيحي ، بل وبنظمه وطقوسه ، حتى وشاركت مصر في إدخال شئ من التحضر علي الأقوام المتخلفة هناك لتخرجها عن ظلمات الجهل والوحشية إلى نور الإيمان والحضارة الإنسانية

فمصر التي لم تكن سوي ولاية الفتح الرومانية ، ألا أنها أخذت علي عاتقها احتضان العلم والدين والحضارة التي ورثتها عن آلاف السنين لتقدمهم لقاء لا شئ إلى كل من كان يطلبها ،  بل واستغلت الاضطهاد والطبقة العظيمة التي مرت بها بسببه لتعطي بسخاء هؤلاء المضطهدين ، إيمانا وحبا وسماحة وحضارة .                      " انتم ارادتم بي شراً أما الله فقد أراد بي خيراً "

هكذا كانت مصر في قرونها الأولى بالنسبة لأوروبا وغطرستها في القرون الأولى ،

-حدث أيام الإمبراطور دقلديانوس وشريكة مكسيميانوس ، واللذان اتخذا القتل أسلوبا لعلاقاتهما أن كان يجندان من شعوبهما جيوشاً وكتائب لتكون قريبة من أماكن الاضطهاد ، ألا انه حدث أن تمرد أهالي غاليا

( فرنسا) علي الإمبراطور مكسيميانوس ولم يستطع أن يقمع ثورتهم ، فاستعان بزميلة دقلديانوس الذي استعان بدورة كان قد شكلها من أبناء صعيد مصر الذين كانوا يتميزون بالشجاعة وقوة الأبدان وكانت تسمي باسم البلدة التي منها كان هؤلاء الأبطال وهي ( طيبة ) الأقصر ألان ، وكان علي رأسهم شاب مسيحي شجاع قلبة متوقد بالأيمان هو " مورلس "  أمر الإمبراطور هذة الكنيسة بان تتوجة إلى غاليا وتنقسم قسمين ، الأول يتجه إلى حدود غاليا ويرابط هناك بينما يتوجه الثاني إلى الحدود الشمالية الشرقية (سويسرا ألان ) ولما كان من عادة الإمبراطور ليلة الحرب أن يسجد مصلياً للأوثان ويقدم البخور لها ،طلب ألي الكنيسة أن تكون معه في هذه الصلاة ، ولكن لانهم كانوا مسيحين رفضوا هذا الشرف الباهت ، وبذلك يكونون رافضين لأوامر الإمبراطور وبتكرار هذا الطلب منهم وبتكرار هذه المأساة وسقوط العشرات قتلي وشهداء لم يتركوا مبادئهم ولم يطيعوه ، وظل كذلك حتى أفناهم وكان أخرهم موربس الشاب القبطي الصعيدي الذي اظهر شجاعة وقوة أيمان ، خاف منها الإمبراطور نفسة . 

ولذلك تأسست باسمة في هذة المنطقة ( سويسرا ) كنائس وبلاد وبحيرات للان وبعد أن خصبت الأرض بدماء المصريين الشهداء علي مرأى ومسمع من الأوربيين الوثنيين دخل الإيمان قلوبهم ، حيث كان ملحقاً بهذه الكنيسة كتيبة من البنات كممرضات ، نال بعض منهم الاستشهاد وطرد الباقيات في الجبال والأحراش يلقين مصيرهن علي يد الوحوش والقبائل المتوحشة هناك ، ولكن أن كان معهن ، فانتشرن بين هؤلاء الأهالي الوثنيين المتوحشين ينشرون الدين الذي رأوا الشهداء يتساقطون من اجله ، كما علموهم النظافة من استحمام وتصفيف للشعر وتجهيز للطعام وكانت علي رأسهن ( فيرنيا) حيث بدأت من منطقة الحدود البلجيكية الفرنسية ألان واستقرت في سويسرا ، وظلت هؤلاء الفتيات المصريات بعملن بنشر الروح والحضارة حتى توفين جميعاً أقيمت لهن كنائس هناك ، وبل وظلت صورة فيرنيا عالقة بأذهان السويسريين إلى اليوم حيث أقاموا تمثالاً موجوداً في حديقة السفارة بالقاهرة .

-كذلك انه أثناء نفي القديس اثناسيوس الرسولي في النصف الثاني من القرن الرابع هو وبعض ابنائة من الرهبان والقسوس تركهم يبشرون في شمال فرنسا  ثم واصلوا إلى إنجلترا حيث أسسوا هناك كنيسة

( كنيسة الصحراء ) مازالت للان ، ومنهم عرف أهل تلك البلاد المسيحية والرهبنة .

 

الامبراطورية الرومانية والرهبنة المصرية

 

 

الرهبنة موهبة روحية مصرية الأساس ،وبدأت بالتوحيد وانتهت إلي البرية وحياة الشركة أيام القديس باخوم في صعيد مصر الذي شيد أول دير في العالم في الفترة ما بين 315- 320م ، قرب دندرة ،وكان بمثابة الخميرة التي خمت العجين كله .

فانتشرت الرهبنة في شكلها الديري في الشرق والغرب ،   والأخير هو موضوعنا فقد أسست آخت القديس باسيليوس دير للراهبات عام 358في إقليم بوسطن بآسيا الصغرى ، أما أخوها القديس باسيليوس فقد أسس علي غرارة . أديرة في قيصرية الجديدة في أسيا الصغرى حوالي عام 360م ، ومنها انتشرت الأديرة في جنوب  أوروبا ، علي أساس العمل الجماعي لرهبان بشكل أديرة القديس باخوم .

كان نظام الشركة الرهبانية جذاب لكل من سمعة ، فآخذت الجماعات الرهبانية في جنوب أوروبا وغربها وجذورها ، ومنهم من زار صحراء مصر وشاهد بنفسه ، ومنهم من سمع ممن زارها وقرأ لمن كتب عنها

وكان من أعلام الرهبنة الديرية في أوروبا في القرن الرابع والخامس القديس كاسيانوس ( 360- 435) و مارتن التوري ( 316- 397) والقديس بتركت ( 480- 543) ويعتبر كاسيان هو المؤسس الحقيقي للديرية الغربية في غاليا كما كانت هناك أديرة للراهبات علي نهج الأديرة في مصر والتي درسوها في بلادهم علي يد رهبان القديس اثناسيوس أو أرسلوا بعض الرهبان إلى مصر لينقلوا نظمها وقد انتشرت الأديرة البندكتية في شمال إيطاليا ووسطها ، وقد تخرج الكثيرون من مدرسة بندكت الرهبانية الديرية .

 

الأديرة الأيرلندية

 

 

قامت من إيطاليا إرساليات ديريه إلى الشمال حيث قصدت إنجلترا وغاليا للتبشير هناك ألا أنها لقيت في طريقها نوعا من الأديرة الكلتية التي انتشرت من ايرلندا ( حيث آثار رهبنة مصر أيام اثناسيوس الرسول )

وغاليا والمانيا .

وكانت ايرلندا هي البلد الوحيد من البلاد المعروفة للقدماء في غرب أوروبا الذي لم بفتحة الرومان خوفاً من القراصنة هناك الذين كانوا يشنون اعنف الغارات علي الرومان .

وحدث انه في إحدى هذة الغارات اسر الايرلنديون شابا اسمه سوكات soccat

وهو الذي اصبح فيما بعد القديس باتريك ( توفي في 461)  والذي أسس الكنيسة الايرلندية وذلك انه بعد أن قضي ست سنوات أسيرا في ايرلندا فر إلى غاليا حيث تعلم ودرس الدين المسيحي وعاد إلى ايرلندا ليبشر بالمسيحية رغم سابق وجودها هناك إلا انه توسع في التبشير بها وأسس أسقفية أر ماج شمال شرق ايرلندا في عام 445وانتشرت هناك الأديرة ، وكان أهم مؤسسيها هو القديس كولومبيا Columbia

حوالي 563وتبعة الكثيرون بعد ذلك .

 

الواردون من أوروبا إلى الصحراء المصرية

 

      لم يكن فضل مصر علي الإمبراطورية الرومانية وعلي أوروبا قاصراً علي الإرساليات المصرية كما رأينا ، وانما جذبت الصحراء المصرية بريحها النظر الكثيرين من الأوروبيين ، فمنهم من عاش ومات فيها ، ومنهم من جاء ليزور من علومها وروحانيتها ليعود محدثاً بكم فعل ، وقد وفد هؤلاء كثيرون ، ألا أننا سنقتصر علي البعض منهم    أمثال :

 

روفينوس :

الذي وفد علي مصر حوالي عام 371 وكان من مدينة اكويلا علي شاطئ البحر الادرياتيكي بإيطاليا ، وجاء إلى مصر صحبة سيدة ثرية من إيطاليا لتعرف علي ( ميلاتيا) ، فقصد الصحراء وقابل الكثير من قديسيها وكان أيام الإمبراطور فالنس المضطهد ، فذاق معهم مرارة الاضطهاد .

ولما عاد بما كتبة عن هؤلاء الأباء المصريين أذاع ما سمعة ورآه عنهم وكيف كانوا يعيشون السماء علي الأرض ، ونشر سيرة كثير من القديسين المصريين وشرح نظام الرهبنة التوحيدية والديرية في الصعيد والفيوم ووادي النطرون .

 

ارسانيوس ( معلم أولاد الملوك )

 

حيث عينة الإمبراطور ثيؤددسيوس الكبير معلما لولديه اركاديوس وهونوريوس ألا انه رحل إلى مصر نتيجة خدعة في البلاد وتخويفهم له من انتقام الأمير هونوريوس ، فجاء إلى صحراء مصر وتتلمذ وهو المعلم علي يد رهبانها ، وعاش في برية الأنبا مكاريوس واتصف بالاتضاع والصمت مداوما علي الحياة النسكية إلى أن تنيح في مصر .

 

بالليديوس

 

 

وفد علي مصر في 388في عهد ثيؤدوسيوس الكبير . كتب سير الأباء الرهبان في مصر في كل حجارة – أسماءهم – حياتهم – أحادثهم – معجزاتهم .

تردد عل مصر مرتين وكتب كتابة الذي ترجم تحت اسم ( بستان الرهبان )

 

ايرونيموس :

 

دخلت قلبه الغيرة المقدسة من روفينوس الذي حظي بزيارة الصحراء المصرية المباركة ورهبانها فعمل علي زيارتهم هو كذلك . وجميع الكثير من تواريخ كنيسة مصر وإبائها ونظم أديرتها بل ترجم إلى اللاتينية نظم وكتب القديس باخوم سنة 404وبذلك وضع أمام كنيسة الغرب صورة منتظمة لهذا النوع من الحياة الدينية في مصر .

 

كاسيانوس :

 

جاء في القرن الرابع من جنوب أوروبا إلى الصحاري المصرية مرتين حيث كتب وصفا كاملا لمصر : كنائسها وأديرتها ومبانيها وحياة رهبانها ، وسيرهم وأحاديثهم ومعجزاتهم – وأقوالهم ودراساتهم .

وفي عودته للمرة الثانية مر علي القسطنطينية حيث رسمة القديس يوحنا فم الذهب قساً ، ومن مصر ورهبانه أسس في جنوب فرنسا – كما قلنا – ديرين أحدهم باسم فكتور والأخر باسم ليران ، وتعتبر كتاباته خير ما كتب في أدب الأباء .

 

 

المبشرون فى أوروبا :

 

 

كانت أوروبا هدفا من أهداف التبشير الرسولي منذ نهاية القرن الأول المسيحي ، فقد بشر جنوبها من الرسل المكرمين مثل :

                             يوحنا ومر قس ولوقا وبولس وبطرس وغيرهم من تلامذتهم ومدارسهم .

ولكن لقصر مدة غربتهم في الأرض لم يبشروا من أوروبا ألا جنوبها مثل أسيا الصغرى ( تركيا حالياً ) وبلاد الإغريق ( اليونان ) وإيطاليا وأسبانيا ، ألا أن التطور وهو سنة الزمن ، جعل المحبين للمسيح يتكبدون مشاق عبور جبال الألب التي تتوسط أوروبا ، وكانت الحد الشمالي لاملاك الإمبراطورية ، وكان ما بعدها مهملاً ، تسكنه قبائل متوحشة ، مما اعتبر الرومان منفي لمن يريدون التخلص منه ، وهذا ما حدث لقديسين مصريين سبق الحديث عنهم .

ولكن لم يقتصر التبشير علي المصريين التي حملتهم أجنحة الاضطهاد ليكونوا رسل سلام وحب ودين جديد ، وانما نفر من آهل أوروبا نفسها ليقوموا بهذا العمل الروحي الجليل ولتبدأ بأقصى شمال أوروبا آنذاك وهي إنجلترا وايرلندا والتي تقع شمال غربي أوروبا .

 

التبشير فى انجلترا : بترك ( 432 : 461 )

 

ولد بترك عام 389من أب فلاح يعمل في أرضة في وادي نهر سيفرن في إنجلترا  ، وكانت كما قلنا أن جيوش الدولة الرومانية تخش تلك المناطق بسبب القراصنة ، وفعلاً حدث أن هاجم هؤلاء القراصنة بلدة بترك وحملوه عبداً باعوه في ايرلندا ،ولم يحمل معه شيئاً إلا حديث أبيه كالبرنيوس عن الله وعظمته وجلاله ، فكان يصلي إلى هذا الإله وهو يرعي الخنازير لسيده  الذي اشتراه وكان وثنياً ، فكان كثير الاختلاء في الغابات والصلاة ليلاً في ضوء القمر ، ولذا كان يضربة سيده  أما هو فكانت كلماته " شكراً لله" وبعد غربة ست سنوات استطاع أن يهرب في سفينة ليلاً تحمل كلاب صيد لبيعها في إنجلترا ، قذفته علي الشاطئ دون أن يعرف أين هو ، ولكن بعد شهور من التيه وصل إلى أبية وبعد فترة أحس انه يحب المسيح ويريد أن يبشر في الايرلندين بهذا الحبيب ، فذهب إلي بلاد الغال حيث تعلم الكثير عن المسيح حيث كانت هناك الأديرة ومدارس الدين وذلك ليعد نفسه مرسلاً إلى ايرلندا فوصلها عام 432، وكان قد وصلها من قبلها بزمن بعبد رهبان القديس اثناسيوس ، فبني لهم كنائس من الخشب ودعاهم الي المسيح فتجمع كثير من الشبان الذين ترهبوا وعلمهم الحرف كي يعيشونها ولكن ملك الجزيرة اعد له كمينا هو واتباعه ولكن الرب اتجاه منه وأسس هناك أسقفية .

 

 

أغسطينوس :

 

أرسل البابا اغريغوريوس الأول إلى إنجلترا بعثة قوامها أربعون راهباً برئاسة اغسطينوس الذي كان رئيساً لاحد الأديرة الرومانية ، وكان اغسطينوس أول استغل منصب رئيس أساقفة إنجلترا ، وقد اتخذ كنتربري مقراً له .

وكانت سفرته إلى إنجلترا مودعاً البابا في عام 596، وقد سمعوا وهم في طريقهم إلى إنجلترا الكثير عن وحشية الإنجليز وتخلفهم ، مما جعله هو ومن معه يترددون كثيراً في رحلتهم ، أرسلوا إلى البابا يستأذنون في العودة ن ولكنه رد عليهم " خير لكم لو لم تبدءوا المهمة ، من أن تبدءوها ثم تعودوا خاسرون ، وعهدي بكم أقوياء لا تؤثر فيكم متاعب الرحلة ، ولو قول أهل السوء وتثبيط عزائمكم ، فسيروا علي بركة الله إلى المهمة التي تعهدتم بها ، والله حارسكم وراعيكم يا أولادي الأحباء "

عادت لأوغسطينوس شجاعة هو واصحابة ومروا بفرنسا حيث اخذ معه بعض التراجمة يتكلمون الإنجليزية .

وصلوا إلى كنت عام 597اي بعد سته من السفر علي الشاطئ الجنوبي الشرقي لإنجلترا ، وكان ملك كنت يدعي ( أيثر لبرت )  فلما علم بمجيئهم من روما لا يريدون حرباً وانما من كنيسة يصلون فيها ، لم يضطرب سيما وان زوجته الملكة ( برثا) كانت مسيحية سراً من اصل غالي وكانت تذهب أحيانا إلى كنيسة سان مارتن بكانتربري .

فرحت الملكة بنبأ وصول هؤلاء ألا أن زوجها الوثني طلبهم ليعرف هدفهم ، فوقفوا بين يديه حاملين الصليب وهم يتزعمون ويصلون ، وفهم منهم انهم يصلون من اجله وانهم أتوا ليعلموه الدين الجديد وحسب ، فسمح لهم بالتبشير أعطاهم منازل للإقامة وكثيرون من سمعوا تعاليم اغسطينوس أمنوا وتعمدوا حتى أمن الملك نفسه ، وسمح ببناء الكنائس أخرى .

                                                     وهكذا دخلت المسيحية إنجلترا

 

 

بونيفاس : مبشر هولندا وألمانيا

 

بعد أن رسخت المسيحية أقدامها في إنجلترا ، فكر أهلها في أر سال رسل إلي بقية القارة في النصف الأخير من القرن الثامن ، كان انتشار المسيحية في هولندا و بلجيكا وشمال ألمانيا ، قائماً علي أكتاف نفر قليل من شتات الرسل الذين وفدوا في أر لندا .

وكان نصيب هولندا وألمانيا المبشر بونيفاس الذي وجد في نفسة من حداثته رغبة جادة لحمل رسالة الإنجيل إلى ارض ابائة وأجداده التي رحلوا منها أولا قبل أن يستوطنوا إنجلترا ، فكان أول أسقف إنجليزي مرسل ختم حياته بالاستشهاد بيد الوثنيين .

وان كان بونيفاس بذل جهوداً في مناطق هولندا وألمانيا معا كانت مملكه الفرنجة التي كان يحكمها شارل ما رتل ( في شمالي فرنسا وغرب ألمانيا) وكان بين الفرنجة المسيحيين وبين الإقليم الذي هو هولندا ألان ( فريزيايومئذ) عداء شديد وحروب هوالية ، ولكنهم انضموا بعضهم لبعض أمام الغزو الإسلامي في ذلك الوقت مما سهل مهمة بونيفاس ، واصبح رئيس أساقفة ألمانيا .

 

نشأة بونيفاس :

 

ولد في بلده صغيرة في تلال ديفون عام 670وكان يسمي ( وينفرد ) معناه الجميل الجذاب ، وتربي علي السلام والوداعة والمحبة .

ولما بلغ السابق من عمره أرسله أبواه إلى مدرسة من المدارس التي كانت ملحقة لدير في ذلك العصر ، ليتعلم القراءة والكتابة ، فكان صبياً مجتهداً ، انتقل بعد إنهاء الدراسة بها ألي مدرسة اعلي علي قرب من مانشستر ، وفي هذه المدرسة تعلم الشعر والتاريخ ودراسة الكتاب المقدس حتى اصبح عالماً كبيراً ، وقدر له عرفوه انه سيكون يوما رئيساً لذلك الدير .

ولكن أحلام الصبي لم تقف عند هذا الحد وانما كان يحب أن يحمل رسالة المسيح إلى قبائل الوثنية في بلاد الجرمان التي هاجر منها إباؤه وأجداده واستوطنوا هذه الجزر التي ولد فيها ، وفاتح أحباءه في هذا فواقفوه علي هذا . 

فذهب إلى لندن سيرا علي الأقدام ونزل هو وبعض أصدقائه سفينة من الخشب حملتهم إلى ساحل هولندا ، فوجد هولندا في حرب مع شارل مارثل الفرنسي . فأحس بخيبة الأمل إذا لم يكن الوقت مناسباً للتبشير فعاد مره أخرى إلى إنجلترا وكانت تنتظره مسألة أخرى هي انه لما عاد إلى ديره وجد رئيسه قد مات وطلب الرهبان منه أن يكون رئيساً للدير ، فرفض لان هذا سيمنعه من فكرته وهي التبشير بين الوثنيين .

ففكر أن يعود إلى التبشير عن طريق السفر إلى أوروبا واستئذان البابا هناك للذهاب للتبشير في القبائل التي تسكن عند جبال الألب في وسط أوروبا .

وفعلاً سافر عن طريق فرنسا وعبر جبال الألب ألي روما وقابل البابا اغريغوريوس الثاني فاعجب البابا به جداً وآذن له في التوجه إلى ألمانيا .

واثناء سفرة علم بموت ملك هولندا الشرس الذي كان يحارب شارل مارثل ملك فرنسا ، واحس أن البابا قد فتح أمامه أليها ، فاتخذ طريقة علي الجبال إلى هولندا حيث التقي بمبشر أخر يدعي ( وليبورد ) ، وفي أثناء رحلتهما واجها كثير من الأحداث .

ولما وصل بونيفاس إلى عمله بين قبائل الكون في ألمانيا وجد بعضهم راسخين في الدين الجديد وبعضهم يحتفظ بالوثنية إلى جانب المسيحية ، وكانوا شعوباً تعسين والغابات والجبال والبرك فكانوا شرسين تعرضوا لبونيفاس وزميلة بالقتل ولكن بونيفاس اجري أمامهم تعليماً عملياً إذ وجدهم يقدسون إحدى الأشجار علي أنها تجلب لهم الحظ والحياة وان من يتناولها بور فيموت فقام أمامهم وقطعها ولم يحدث له شئ ، وهنا أفهمهم أن المسيحية هي الدين الحق . 

وكان يسير بين الناس ويعظهم ويعمدهم ويقيم الكنائس ، ويجمع الأموال للصرف علي الأرامل والأيتام ، فأحبة الناس إذ كان يعتمد علي القدوة اكثر من العظات لانه لم يكن يتقن اللغتين الألمانية أو الهولندية ، فكان أيمانهم بالأعمال اكثر من الأقوال .

ولما بلغ الخامسة والسبعين من عمرة القي بونيفاس أردية الأسقفية جانبا ولبس ملابس الرهبان العادية الخشنة وشرع مع 12 من زملائه وكان في ألمانيا وذهب إلى هولندا وعمل هناك واحبة كل الهولنديين .

وفي يوم من أيام صيف عام 755نصب بونيفاس خيمته علي شاطئ البحر ليجذب بقية الشعب إلى عظاته أن اقبل علية فجأة قوم في شكل عصابة مسلحة بالرماح والتروس وقتلوه هو وزملائه ونال إكليل الشهادة.

 

التبشير فى الدنمارك والسويد :

 

كانت هذة البلاد وثنية حتى القرن التاسع الميلادي حتى ذهب أليها مبشراً :

 

 

انسكار : ( 80 – 865 )

                  

 

وهو رجل فرنسي من اصل شريف ، وكان راهباً في دير كوربي ، وكان يحب أن يبشر الوثنيين ، فطلب ملك الدنمرك من ملك فرنسا شارعان أن يرسل أليه أحد من يبشروا بلاده بالإنجيل ، فهنا أرسل انسكار الذي ذهب إلى هناك مع بعض رفاقه وظل يعمل حتى توفي في عام 865.

وواصل أحد زملائه الرسالة في السويد وحقق هو وزملائه نجاحاً كبيراً حتى عام 1075، وعندما حدد إعلان رسمي من ملك السويد بان الوثنية هي الدين الرسمي طردهم من هناك بينما اصدر ملك الدنمرك قانوناً بان المسيحية هي الدين الرسمي للدوله كما وصلت إلى النرويج وأيسلندا فرق تبشيريه من إنجلترا ، وقد ساعدهم ملك الدنمرك الذي دخل المسيحية كما رأينا علي النجاح عندما تولي هو ملك تلك البقاع وارغم أهل النرويج علي المسيحية حتى دخل ملكهم فيها واعتمد في 1017وتبعة رعاياه هناك ، ومن النرويج خرجت البعثات التبشير يه إلى أيسلندا .

وحوالي سنه 1000صدر قرار يلزم سكان أيسلندا باعتناق المسيحية وقبول المعمودية .

 

دخول المسيحية إلى جنوب شرق أوروبا :

 

وسكان هذة المناطق هي الشعوب السلاقية وقد وصلتها الرسالة عن طريق الكنيسة الشرقية ، حملها إليهم أخوان من تسالونيكي هما كيرلس وميثوديوس وكان كيرلس وهو أحضرها أستاذ للفلسفة في القسطنطينية ، وذهب في زيارة إلى شبة جزيرة القرم بناء علي طلب الإمبراطور ميخائيل الثاني عام 860الذي طلب معلماً مسيحياً يستطيع الدفاع عن الأيمان المسيحي ، فذهب واستقر في مدينة نشرسون فترة حيث تعلم لغه البلاد وبدأ في التبشير هناك .

وانتقل الأخوان إلى مورافيا وبلغاريا ، وقد وضع كيرلس الأبجدية السلافية وقررا كتاب الصلوات ومات كيرلس وبينما تولي ميثوديوس رئاسة أساقفة مورافيا وبانونيا( هنغاريا) أسس الكثير من الكنائس هناك وتوفي في عام 885.

 

 

 

 

 

الباب الثانى

بداية الصراعات فى الكنيسة الغربية

 

أوروبا والإسلام

 

      عندما بدا الإسلام في التحرك علي يد العرب في القرن السابع الميلادي ، كان العالم آنذاك مشغولاً بحروب شرسة بين الفرس والروم ، وكلا البلدين أبديا صدوداً لرسل الإسلام حينما وصلوا يدعون أهلها الدين الجديد ، مما دفع العرب إلى استعمال القوة للجهاد .

ولقد كان الأمن غربياً أن يتجاسر العرب علي مهاجمه " الأسدين" فارس وروما كما كانا يسميان في وقت واحد ، وكانا اكبر إمبراطوريتين عرفهما العالم عند مستهل القرن السابع .

وقد بدأ احتكاك قوات المسلمين بقوات الروم في بادية الشام في عام 629اي في العام التالي مباشرة لانتهاء الحرب من الروم والفرس ، كانت الدولة البيزنطية تعاني حينئذ الأمرين من جراء ما تطلبه حروبها من فارس من جهة ومن البرابرة المهاجمين لاراضيها من البلقان من جهة أخرى ، زيادة علي النزعة الانفصالية التي أخذت تقوي عند أقباط مصر والآراميين في سوريا والأرمن عند أطراف أسيا الصغرى ، مما هدد كيان الدولة ووحدتها تهديداً خطيراً .

وبدأت جيوش العرب بقيادة أبىعبيدة بن الجراح تعمل في الشام ضد الروم فأرسل الإمبراطور هرقل إمبراطور الروم جيشا بقيادة أخيه تيودور لإنقاذ فلسطين ولكن أتاه جيش عربي أخر بقياده خالد بن الوليد من العراق ، فانزل الجيشان الهزيمة بالروم في موقعة أجناد ين 634.

تم اتساع خالد بن الوليد في شمالي الشام حتى هزم الروم ثانية في موقعة اليرموك عام 636وبذلك استولي علي الشام بما فيها القدس مابين عامي 637-638هذا بالنسبة لاملاك الروم في الشام ، أما في شمال أفريقية فقد فتحوا مصر عام 641وفتحوا برقة في عام 643ثم توقفت الفتوحات بسبب الفتنه التي قامت في الدولة الإسلامية بقيام الخلافة الأموية في دمشق 660 . 

وفي سنة 664فتح العرب ولاية أفريقية حيث أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان واتساع العرب في شمال أفريقية مكونين زاوية عربية إسلامية تحف الدولة الرومانية ، وبدأو يستولون علي بعض جزر البحر المتوسط ليقتربوا من جسم الامبراطوريه ذاتها فاستولوا علي جزيرة سرد نيا 711 وعبر طارق بن زياد المضيق الذي عرف باسمة ليفتح أسبانيا فيما بين سنتي 711،713   

وبفتح أسبانيا خسرت الكنيسة الغربية خسارة كبيرة ، إذ فقدت بلاداً ارتبطت أصول المسيحية الأولى مثلها مثل بلاد أخري كانت بمثابة أجزاء أساسية  من الوطن المسيحي مثل شمال أفريقيا وأسبانيا ،

ألا أن العرب المسلمين لم يكفوا عن مهاجمه الدولة البيزنطية براً أو بحراً حتى كان أوائل القرن الثامن ، وعندئذ اعتقد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ( 715- 717) أن الوقت قد حان للقيام بحمله كبري تستولي علي القسطنطينية وتطيح تماما بالامبراطوريه البيزنطية ، واختار الخليفة أخاه مسلمة ليكون علي رأس هذة الحملة التي شقت طريقها عبر أسيا الصغرى حتى بلغت البسفور وعبرته إلي الشاطئ الأوربي عام 717 ، وبينما أطلق المسلمون علي القسطنطينية من ناحية البر ، إذا بالأسطول الإسلامي يهاجمها من البحر ، حتى كادت المدينة تقع في أيدي المسلمين ، لولا النار الإغريقية التي لعبت دورها كسلاح شتت سفنهم في الوقت الذي أغرى الإمبراطور ليو الابسوري ( 717-741 ) البلغار بمهاجمة المسلمين من الخلف ، وعندما سمع الخليفة عمر بن عبد العزيز بحرج موقف العرب المسلمين أمرهم بالانسحاب في عام 718بعد أن ظلوا محاصرين القسطنطينية اكثر من عام ، وهكذا تم إنقاذ القسطنطينية وكذلك الإمبراطورية البيزنطية من خطر محقق . 

وبعد أن فشل المسلمون في الاستيلاء علي القسطنطينية في أوائل القرن الثامن تشجع البيزنطيون ، واخذوا يدفعون خطر المسلمين تدريجياً من أسيا الصغري ، حتى غامر الإمبراطور قسطنطين الخامس بشن هجوم علي الشام عام 745منتهزاً فرصة ضعف أواخر عهد الدولة الأموية ، وفي عام  746 أحرز البيزنطيون نصراً بحرياً علي المسلمين واستردوا جزيرة قبرص ، ولم تلبيث سنة 750 أن شهدت سقوط الخلافة الأموية وقيام الدولة العباسية في بغداد ، هذة الدولة العباسية التي دخلت بجيوشها إلى الدولة البيزنطية من جديد وكسبت معارك كثيرة .

ألا انه رغم كل هذا استطاعت الدولة البيزنطية أن تعتمد ألي النهاية لاستبقاء ما بقي لها فنجحت في صد العرب المسلمين عن حدودها الشرقية ، كما نجح الفرنجة في أبعاد خطرهم عن الأندلس وغرب أوروبا ، وحافظت بذلك علي أوروبا الوسطي وحضارتها العظيمة .

وان كانت الحروب الساخنة قد توقفت ، فان الحرب الباردة بدأت في شكل التنافس الحضاري بين أوروبا والشرق العربي الإسلامي ، وقد رجحت كفة العرب في العلوم والثقافة وبدأ الغرب يخطبون ودهم ، فنجد الإمبراطور شارلمان الفرنجي يصادق هرون الرشيد ويتبادلان الهدايا ، لينعم عهدهما بالهدوء والاستقرار .

وظل الحال هكذا حتى جاءت الحروب الصلبية فيما بين القرنيين الحادي عشر والثالث عشر إلا أنها كانت كفقاعة لم تأت ألا بنتائج سيئة علي كلا من الطرفين وكانت أوروبا سببها .

                  

                                     

تطورات الموقف داخل الكنيسة الغربية

                                    

                                  

 

انتابت الكنيسة الغربية الكثير من التطورات خلال العصور الوسطي ، وكان أهم مظهرين لهذه التطورات :

أ‌-       ظهور البابوية

ب‌-   انفصال كنيسة روما عن كنيسة القسطنطينية

أولاً : هناك عوامل أدت ألي ظهور البابوية كقوة واضحة وقوية ناوأت الإمبراطورية ذاتها منها :

1-   انه فيما بين 400، 868 لم تقم في غرب أوروبا حكومة مدنية قوية يحسب لها حساب ، وهذه الفترة هي التي عانت فيها أوروبا الغربية الكثير من غزو البرابرة أولاً ثم هجمات العرب ، وبعد موت الإمبراطور شارلمان وتقسيم الامبراطوريه لم يعد في أوروبا كلها حاكم له ثقله .

وفي هذه الفترة ، نجد انه في روما التي كانت مركز السلطة وعاصمة الامبراطوريه كان الأسقف يمارس اختصاصات الحاكم السياسي بالإضافة إلى رئاسته الدينية ، كما انه منذ وفاة شارلمان عملت الكنيسة علي تحرير نفسها من سلطة الأباطرة وظهرت البابوية كقوة تنحي لها الجباة ، إذ كان البابا ينكر علي الأباطرة أي تتويج لهم لم يمارس البابا ، إذا للبابا الحق في تتويج الأباطرة وإلا اعتبر التتويج باطلاً ،   كما حدث أيام تتويج الإمبراطور لويس التقي عندما لم يعترف البابا بتتويج أبيه له أعاد هو تتويجه في عام 816 ، وما فعلة البابا اغريغوريوس الرابع 833من اعلانة في شكل أمر للأباطرة مستقبلاً لانه لا يجب ألا تنسوا أن الحكومة الروحية التي يهيمن عليها البابا اعلي قدراً من السلطة الامبراطوريه التي لا تعدوا أن تكون زمنية ومؤقتة .

والتقط الباباوات هذا الخيط ونسجوا علية حقوقاً كثيرة وتأكيدات عديدة علي أن حقهم اكثر من الإمبراطور حتى في إدارة البلاد ، وفي هذا قال البابا نيقولا الأول أن الإمبراطورية الرومانية لا تكون ألا حيث يريد البابا .ولم يشأ أن يعترف بان الإمبراطور البيزنطي إمبراطور رومانياً وكان هذا بداية انشقاق بين الكرسين القسطنطيني والروماني . ووصل الأمر بهذا البابا إلى اعلانة الواضح " أن الحاكم الذي لا يطيع أوامر الكنيسة الرومانية وتعليماتها يعتبر عاصيا ، ويستحق اللعنة والحرمان "

ثم جاء تتويج الإمبراطور شارل الثاني إمبراطور بين البابا يوحنا الثامن سنة 875ليؤكد أن الامبراطورصنعة البابا وربيبة ، واعلن أن البابا عندما توجة إنما عبر عن إرادة الله في التفضل علية بهذا التشريف " ومنحة " التاج الإمبراطوري .  علي انه إذا كانت الكنيسة قد أخذت تسعي خلال سنوات الفوضى التي عمت أوروبا في القرن التاسع للتحرر من سلطة الدولة بدأ أمرا غير عملي في ظل النظام الإقطاعي .

هذا في الوقت الذي لم تجد البابوية إمامها سابقة تستند أليها في تأكيد سيادتها علي الملوك من جهة وعلي بقية رجال الكنيسة من جهة تخري ، وهنا لجأ رجال الكنيسة إلي التزييف والتزوير لاختلاف سوابق تستند إليها البابوية في تحقيق أهدافها .

وهناك وثيقتين زورهما رجال الكنيسة لتحقيق أغراضهم ومبادئهم الأولي : وتسمي هبة قسطنطين Donation of Constantine  ، والغرض منها إثبات سلطه البابوية السياسية وسيادتها علي الغرب الأوروبي ، وهذه الوثيقة المزورة عبارة عن مرسوم قيل أن الإمبراطور قسطنطين أصدره عندما انشأ القسطنطينية ، وتنازل بمقتضاه للبابوية عن روما ، بل عن كل أراضى الإمبراطورية الغربية ، ويبدو أن هذه الوثيقة زورت في القرن الثامن من بعد أن منح الإمبراطور بيبين الأول ( القصير ) البابا سلطة سياسية في أراضى إيطاليا عام 755، فأراد رجال الكنيسة عندئذ أن يحيطوا هبة بيبين هذة بجو من الشرعية التقليدية التي تثبت أن حق البابوية في مباشرة السلطة الزمنية قديم يرجع إلى أيام قسطنطين الكبير نفسة ، ورغم ما شاب هذة الوثيقة من إشاعات وتزوير فقد استمرت البابوية تعتمد عليها ، وتتخذها أساسا لسلطانها السياسي علي الشعب حتى اكتشفت تزويرها عام 1439 في عصر النهضة الإيطالية

أما الوثيقة الثانية فظهرت حوالي 850- 857 واسمها " الأحكام البابوية المزورة  forged decretals  وتنسب إلى شخص وهمي هو ايسيدور ، وان كان لا يمكن القول برأي قاطع في حقيقية نشأتها ، وكل ما هناك انه يبدو زورت في روما نفسها وكان الهدف الأساسي من وضعها خدمة مصالح الأساقفة المحليين من جهة والبابوية من جهة أخري ، لأنها ترمي إلى إضعاف سيطرة رؤساء الأساقفة علي الأساقفة وفي نفس الوقت تعمل علي إعلاء شان البابوية وتضخيم نفوذها .

ومن هذه الأسس بدأ الأساقفة يتجاهلون رؤسائهم ويلجاؤون إلى البابوية لأنصافهم . 

 

-        أين كان الشعب في هذه المعارك ؟

       

أن الخوف الذي زوره الباباوات كما رأينا وجعلوا منه سيفاً مسلطاً علي رقاب الأباطرة والأساقفة ، والحرب بين الأساقفة ورؤسائهم ، كل هذا كان في حاجة إلى تغيب الشعب عن التدخل فيها .فكانت الجماهير رغم هذا تنظر إلي الاكليروس الغربي نظرة ليس ملؤها الاحترام فقط بل والتقديس أيضا ، وخاصة وقد أعلن الباباوات عصمتهم من الخطأ وانهم خلفاء الرسل والتلاميذ . 

والشعب ينظر إليهم كرجال البر والتقوى ، في وقت كان معظم الحكام تتحكم فيهم أهوائهم وتستعبدهم شهواتهم ، فمثلاًَ نجد أن البابا نيقولاوس الأول ( 858- 867) يستغل خطيئة الإمبراطور في منطقة اللورين شرقي فرنسا يهجر زوجته ويقترن بأخرى بأذن من رئيس الأساقفة مملكته ، فيجد البابا في هذا تصرفات مشينة لا يليق حتى بأخلاقيات فيبطل هذا الأذن وهذا الزواج ويرغمه علي طرد زوجته الثانية ، ليعيد أليه زوجته الأولى ، ويدخل في صراع مع الأسقف الذي أذن له بهذا .

وهكذا تري أن البابا مثل سلطاناً اعظم من سلطة الملوك والأباطرة ، واعلن أن هذا السلطان هو القانون الأخلاقي .

-    كما استغل الباباوات فرصة الخراب الشامل الذي ساد أوروبا في بداية العصور الوسطي ، واصبح الناس في حاجة إلى من يضمد لهم جراحهم فلجاوا إلى الجانب الديني اكثر من السلطة السياسية التي أثبتت فشلها آنذاك .

-    كما أن الإرساليات الدينية التي أرسلها الباباوات للتبشير بالمسيحية في أوروبا ، لعبت دوراً كبيراً في توسيع نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ، لان كل إقليم كسبة البعثات التبشيرية كانت كسباً لبابا روما وتوسيعاً لدائرة نفوذه ، كما رأينا في بونيفاس وغيرة .

-    كان لانتشار الإسلام أثره في توثيق الصلة بين البابوية والكنائس ، لانه في بلاد الشرق التي خضعت للخلفاء المسلمين نال الكنائس فيها كثيراً من الظلم في حين أن كنائس الغرب كانت بعيده عن هذا فنالها ما نال من الباباوات .

-    من العوامل التي ساعدت أيضا علي ازدهار البابوية ، امتلاك الباباوات للكثير من الإقطاعيات التي اقطعها إياها الأباطرة ، فكانت للباباوات جيوش في تلك المقاطعات ، كما انهم فرضوا علي سكانها الضرائب ، تماماً كما كانت تفعل الحكومات المدينة ن وقد ظل الباباوات يحكمون تلك المقاطعات حتى عام 1870.

ثانياً :  الصراع بين الكنيستين في القسطنطينية في روما :

من التطورات الهامة التي واجهتها الكنيسة في هذة الفترة من تاريخها ، وانقسامها إلي معسكرين فقد بدأ الانفصال في عام 867م عندما وقع صدام بين بابا روما وبطريرك القسطنطينية فقام أحد المجامع الشرقية بعزل الأول من منصبة ، ثم جاء بعد ذلك مجمع أخر ، الغي هذا القرار بعد سنتين من صدوره ، واستمرت الخلافات حتى عام 1054بسبب بعض الاختلافات البسيطة في بعض القصائد اللاهوتية .

ثم حدث بعد ذلك صراع بين الاثنين فاصدر البابا حكماً يقطع البطريرك ومعاونيه من عضوية الكنيسة وكانت هذه خاتمه المطاف ، ومن ذلك الوقت فصاعدا انقسمت الكنيسة الكاثوليكية إلى معسكرين أحدهما في الشرق ويضم الكنيسة اليونانية وتتبعها مناطق اليونان وشبه جزيرة البلقان وروسيا ومعظم المسيحيين في بلاد أسيا الصغري وسوريا وفلسطين ، بينما استمرت بقية أوروبا في حظيرة الباباوية ، خاضعة لقوانين الكنيسة الرومانية .

وراح كل معسكر من المعسكرية يدعي انه هو وحده الكنيسة الكاثوليكية الحقة ،ن ويرفض الاعتراف بالمعسكر الأخر .

 

 

أمراض الكنيسة الرومانية

فى العصور الوسطى

 

 

 

لم تثمر هذه الصراعات دون تداعيات سلبية علي رجال الدين والشعب ، فرجال الدين الذين حصلوا علي سلطات اعلي من تلك التي كان يتمتع بها الأباطرة ،واصبحوا ملاكاً أيضا للإقطاعيات شانهم في ذلك شأن الإقطاعيين المدنيين ، كل هذا وغيره أورثهم أعمالا سيئة تلك التي تسميها : أمراض الكنيسة الرومانية .

عانت الكنيسة الرومانية في تلك الفترة ثلاث أمراض خطيرة هي :

 

 أولا السيمونية :

 

                            

والمقصود بها شراء الوظائف الدينية ( الشرطونية ) بالمال كما فعل سيمون الساحر ( أع 18: 20 ) وهو داء فشا فشواً خطيراً بين رجال الدين ، حتى وصل الكثيرون المجرمين وغير الصالحين إلى المناصب الدينية الكبرى عن طريق المال ، مما اضعف الكنيسة وشوه سمعتها ، ذلك أن ما تمتعت به الأديرة والاسقفيات من ثروة طائلة واقطاعات واسعة ، جعلها موضع أنظار الطامعين الذين لم يضنوا عن تقديم الأموال الكثيرة إلى الحكام العلمانيين ، أو كبار الأساقفة ليعينوهم رؤساء علي هذة الأديرة والاسقفيات .

وكم حاول بعض الباباوات مثل جريجوريوس السادس ( 1045-1046) ، والبابا ليوا التاسع ( 1048- 1054) مجابهتها والقضاء عليها حتى انهم عزلوا كثيرين من الأساقفة ورجال الدين الذين ثبت انهم وصلوا على مراكزهم بالمال ، واجتمعت لهذا السبب مجامع محلية في أوروبا عام 1056، 1060 أصدرت قرارات مشددة ضد السيمونية والاتجاء بالمناصب الدينية ، ألا أنها استمرت

 

 

 

ثانيا : زواج رجال الدين

 

والمعروف أن معظم الأساقفة ظلوا عزاباً في حين اقبل بعض علي الزواج . وسار علي دربهم القساوسة وصغار رجال الدين ، مدعين انه لا يوجد نظام كنسي يمنع الأساقفة ورجال الدين من الزواج ، وأن ما وجد من تشريعات في ذلك فانه يصعب تطبيقها ، علي الرغم من جهود البابا جريجوريوس العظيم في سبيل ذلك .

وهكذا ظلت الكنيسة تري ضرورة إلزام رجال الاكليروس بالعزوبة أسوة بالرهبان ، والسبب في إقبال رجال الدين علي الزواج وجود اتجاه منذ القرن العاشر إلى توريث الوظائف الإقطاعية ، مما أدى بدورة إلى اتجاه رجال الدين إلى الزواج ليورثوا لهم أولاد هذا العز الأمر الذي جعل منهم طبقة وراثية وانزل ابلغ الضرر بالكنيسة ، وظلت الكنيسة تكافحهم إلى أن أعلنت في مجمع روما سنوات 1050، 1059،1061 تحريم التعامل مع القساوسة المتزوجين .

 

 

ثالثا : التقليد العلمانى

                   وهذه المشكلة تختلف عن سابقتها في كونها تنقل اتصالاً مباشرا لسلطة الحكام العلمانيين ، والمقصود بالتقليد العلماني هو أن يقوم الحكام العلمانيون – من أباطرة وملوك وامراء – بتقليد رجال الدين مهام مناصبهم الدينية ن والمعروف أن القانون الكنسي نص منذ القدم علي أن يكون تعيين القساوسة بواسطة اساقفهم وان يقوم القساوسة وغيرهم من رعايا ألا سقفية بانتخاب الأسقف ، واخيراً يعتمد كبير الأساقفة ( البابا) هذا الاختيار ، ولكن هذه الأوضاع تغيرت علي مر الأيام واصبح أصحاب ألا راضي من الإقطاعيين يقومون بتعيين الأساقفة ، في حين تولي الأباطرة والملوك تعين الأساقفة ، فكيف أن يسلم أحدهم خاتم الأسقفية وعكازها ألي أحد الأفراد ويقول له تسلم أسقفية كذا ، فيصبح أسقفها

واصبح نيران القوي في يد العلمانيين بعد أن كانت سلطة الكنيسة هي سلطة الإمبراطور وأكثر وقد أفاد هذا الوضع الدولة سياسيا ، إذ جعل كبار رجال الدين تابعين للحكام العلمانيين ، وجعل الوظائف الدينية بمثابة اقطاعات يمنحها هؤلاء الحكام لرجال الدين ولذلك تمسك أباطرة الدولة المقدسة بوجد خاص بهذا الحق ، واعتبر تخليهم عنه خسارة كبيرة تحقيق السلطانهم السياسي .

ولكن الكنيسة هي التي خسرت خسارة كبيرة من جراء هذا الوضع الشاذ ، الذي أدى إلى تفككها وعدم ارتباطها تحت زعامة البابوية ، بعد أن اصبح الأساقفة أذنابا للملك والإمبراطور يعينهم لخدمته وتحقيق اغراضة ، لا لخدمة الكنيسة وتحقيق أغراضها فكانت الكنيسة تريد من رجالها أن يخضعوا  للبابوية وحدها ، وينصرفوا لخدمة وظائفها الدينية ، في حين أراد الحكام العلمانيون أن يسيطروا علي رجال الدين سيطرة إقطاعية ، وأن يتحكموا في تعينهم حتى يكونوا أداة طيعة في أيديهم ، ولا سيما أن رجال الكنيسة كانوا الفئة الوحيدة المتعلمة ، ومن ثم اشتدت حاجة الحكام العلمانيين إليهم في الشئون الإدارية .

 

 

حركة الإصلاح فى الكنيسة الرومانية

 

بدأت دعوة الإصلاح في النصف الأول من القرن العاشر في منطقة اللورين غربي فرنسا ، حيث بدأ أحد المصلحين واسمة جيرار هذة الحركة بتأسيس كنيسة والحق بها ديرا وطبق نظم بركت علي الحياة الديرية ، ألا أن هذه الحركة ظلت محلية ، إذ أصلحت ما حولها بينما بقية المناطق ظلت كما هي ، لان رجال الدين قاوموا حركة الإصلاح حيث لم يكن في مصلحتهم انشا في تلك الفترة دير كلوني وظهر رهبان في القرن 11 ووضعوا خطة عامة شاملة للإصلاح من ثلاثة بنود :

أولاً : إعلان الحرب علي السيمونية التي حزبت الكنيسة فوصل إلى المناصب الكنيسية من هم غير أهل لها ، كما امتلأت جيوب النبلاء والحكام بهذه الرشاوي .

ثانياً : إجبار الاكليروس علي الالتزام بحياة العزوبة ، وكانت هي الأصل في الكنيسة الكاثوليكية علي أساس قول السيد المسيح بأن المتزوج يعمل ما يرضي زوجته أما المبتل فيعمل ما يرضي الله وكان هؤلاء المصلحون يعتقدون انهم لو تمكنوا من تنفيذ هذين البندين ، فانهم سيحققون قدراً كبيراً من الإصلاح بتحرير الكنيسة من روح العالم .

ثالثاً : تطهير حياة رجال الاكليروس الشخصية من الخطايا التي كانوا مستعبدين لها فطالبوا بإعطاء البابا سلطات أوسع لإصدار إحكام رادعة حتى كل من يخرج علي تعاليم الكنيسة وقوانينها .

وقد بدأ هؤلاء الرهبان المصلحون تنفيذ برنامجهم في عام 1049عندما ارتقي الكرسي البطريركي واحد منهم ( البابا ليو التاسع ) وقد تبني هذا البابا برنامج الإصلاح المشار أليه فتحسنت الأحوال نوعا ما .

وكل من جاء بعد ذلك من الباباوات كان بتبني برنامج الإصلاح ، وعلي رأس هؤلاء الباباوات المصلحين يقف البابا ( هلدبراند ) الذي كان أعظمهم جميعاً ، والذي قاد بنفسة حركة إصلاحية رائعة .

 

 

 

الباب الثالث

نمو سلطة الكنيسة الغربية

أملاك البابوية وسلطانها

 

      بعد أن نجح اللمبارديون في غزوهم شمال إيطاليا واستقرارهم هناك في القرن السابع الميلادي ، وقضوا بذلك علي الوحدة الإيطالية التي اجتهد الإمبراطور جستنيان نفسة في أحبائها ، ظلت إيطاليا حتى القرن 19 مجرد إصلاح جغرافي دون أن تكون لها وحدة سياسية تنظم أمورها ، وهنا وقعت إيطاليا بين ثلاثة قوي : اللمبارديون والدوله البيزنطية والبابوية ، وكانت البابوية هي القوة الأكثر استفادة في هذا التناهر .

فالبابوية وازدياد سلطانها السياسي ألي جانب سلطانها الديني غدت تمثل إحدى القوي الحاكمة في إيطاليا ، وخير ما يوضح نفوذ البابوية في هذة الفترة هو تضاعف ممتلكاتها الكنيسية ، تلك الممتلكات التي لم تضمن للبابوية مورداً مالياً ضخماً فحسب بل حققت لها نوعاً من النفوذ المادي والمعنوي في البلاد .

ذلك أن أساقفة إيطاليا استغلوا فرصة الفوضي السياسية والاجتماعية التي سادت إيطاليا آنذاك واخذوا يمتلكون الأراضي ، ويتخذون لانفسهم صفة الحكام العلمانيين ، وقد ساعد رجال الكنيسة علي تحقيق أغراضهم هذه ومطامعهم في الاستيلاء علي الأراضي ، أن صغار الملاك في إيطاليا بحثوا عن سلطة قوية يدخلون تحت حمايتها ، فلم يجدوا وسط الفوضى الناجمة عن النزاع بين اللمبارديين والبيزنطيين سوي الكنيسة درء لهم و ملاذاً ، فسلموها أراضيهم مختارين واصبحوا شبه مستأجرين لها ، مقابل حصولهم علي نوع من الحماية والامان وأمام زيادة رقعة أملاك الكنيسة وعلي رأسها البابا فقد ازداد مركز إيرادات البابا في روما ، بل وزودها أيضا بوسيلة تمارس بها الكنيسة نفوذها الأدبي والمادي في كل أرجاء إيطاليا ، اذ كان للكنيسة منذ عهد قسطنطين الحق القانوني في حيازة الأملاك ، وظلت هذة الأملاك في ازدياد مستمر بسبب وصايا أغنياء المسيحيين لها بالأموال وما كان بهيبة لها إشراف روما من أراضى ، وقد بلغت هذه السطوة دورتها في عهد البابا جريجورى الكبير ( العظيم ) ، حيث كانت له رسائله ألي أعوان من الأساقفة تدل علي كيفية تنظيمة أدارته لتلك الممتلكات ، بل وتظهر الدور الذي لعبة جريجورى نفسه في تنمية موارد الكنيسة ، حيث بذل فيما وجهه من تعليمات إليهم حتى وصلت إلى قساوسة الايبارشيات وكانوا آنذاك يعتبرون موظفين كنيسيين يجمعون في عملهم بين واجبات حكام الأقاليم والقضاة والموكلين بتوزيع الصدقات في أماكنهم وبين أعمالهم الروحية وأن كانت ضعيفة إذ نجد التعاليم تشمل أصول تربية المواشي وتنظيم الإيجار وحيازة الرقيق ، وجميع الأمور التي تهم كل ما لك ارض ، وتنظيم الاستيراد وكان تأتي السروج من كامبانيا وعروق الخشب من بروتيوم لتستخدمها كنيسة روما ، أما صقلية التي كانت فيها اغني الأوقاف واوسعها مساحة فكانت ترسل إليهم القمح ليفي بحاجة روما .

هذا يدل علي أن نشاط الكنيسة قد حل محل الحكومة الإمبراطورية في روما نفسها ، وكانت الإيرادات الضخمة التي يحصل عليها البابا من هذه الطرق تستخدم في :

1-      افتداء الأسري

2-      تخفيف ضائقات المجاعات وصيانة المستشفيات والأنفاق عليها

3-      إعانة مختلف الكنائس التي تعرضت لغارات اللوبياردين

4-   كما كانت تقدم منها الرشاوى علي البلاط الإمبراطوري ومختلف الموظفين البيزنطيين الذين يعتبر تعاونهم مع روما أمرا ضرورياً

هذا في أول الأمر ألا أن الوضع تغير لمصلحة الباباوات الشخصية كما سنرى بعد هذا ألا أن الكنيسة بلغت اكبر مساحة لها من النفوذ في عهد هذا الرجل .

 

جريجورى الأول : الأكبر تولى البابوية ( 590 – 604 )

 

 

ولد في روما عام 540 من آسرة عريقة من النبلاء ، واظهر منذ طفولته نزعة دينية قوية ن فاستغل الثروة التي ورثها عن أسرته في تأسيس ستة أديرة دينية كبيرة في جزيرة صقلية وديراً سابقاً في روما ، واستقال من منصبة الكبير الذي عينة فيه الإمبراطور جستين الثاني ، ووزع ما تبقي لدية علي الفقراء والمعوزين وانقطع للحياة الديرية ، وعندما اجمع رجال الدين علي اختياره لمنصب البابوية عام 560 ، علي الرغم تمنعة الشديد  أخذت تظهر شخصية كبابا علي حقيقتها فولع باللاهوت والاعتقاد في المعجزات وتحمس لحياة الديرية ، كما اتصف بالتواضع واتخذ لنفسه لقب " خادم خدام " ولكن كان في مظهره كبابا يتعامل مع السلطات الاخري اتصف بالإعزاز بالنفس والسلطة ، ظهر هذا في رسائله إلى معاصريه من الأساقفة والملوك لينهاهم عن المفاسد وبأمرهم بالخير والبر .

 

أعماله فى روما :

         

ظهرت شخصيته في السياسة والإدارة والتبشير ن فسلطته في روما كانت اقرب ألي الحكومة الدنيوية منها ألي الدين ، فأخذ ينظم وسائل النزوع ضد اللمباردين كأعداد الجنود وتحصين الاسواء وتشييد القلاع وتسليمها ، والقيام ببعض الهجمات العسكرية وكان هو الذي يقوم بالتفاوض معهم عن الشعب الروماني حتى عقد معهم معاهده سنة 598تنهي الحروب بينهما والتي كانت قد استمرت حوالي ثلاثين سنه

وعلي الرغم من أن اختيار جريجوري العظيم هذا المنصب البابوية تطلب موافقة الإمبراطور البيزنطي ، وقبول البابا الجديد لجميع قرارات المجامع الدينية السابقة ، ألا أن جريجوري اظهر تمسكه بسيادة كرسي روما علي بقية الكراسي في الشرق والغرب ، حتى انه حاول فرض سيادة البابويه القضائية علي كراسي الأساقفة الشرقيين بما فيهم أسقف القسطنطينية ولكنه فشل  

 

                  

تنافى السلطة البابوية :

      كان ضعف النائب الإمبراطوري في إيطاليا وافتقاره في معظم الحالات إلى المال والرجال ، ساعد علي ازدياد نفوز البابا المدني في بقية أنحاء إيطاليا ، فضلاً عما فعله جريجوري من نفوز البابا مدنيا إلى أفريقيا وأسبانيا وإنجلترا فقد عمل جريجوري علي نشر الكاثوليكية بين القوط الضريبي ، وبذلك ادخل أسبانيا ضمن الكنيسة الغربية ، كما أرسل بعثه إلى إنجلترا لنشر المسيحية هناك ومحاولة سيطرته سياسيا عليها ن وكانت كلمته مسموعة في غاليا .

علي أن هذه المكانة السامية التي وصلتها البابا ويه في عهد جريجوري الأول ( العظيم 9 سرعان ما أدت إلى نوع من التنافس بينهما وبين الإمبراطورية نتيجة لاعتزاز كل من الطرفين بسمو مركزة ن وهو تنافس أدى إلى الصدام اكثر من مره في العصور الوسطي ن حيث بدأ أول احتكاك بينهما أيام الإمبراطور قنسطانز الثاني ( قنسطنطينوس ) 641-668والبابا مارتن الأول 649-655 وكان هذا البابا قد عقد مجمعاً في روما 649اعلن فيه بطلان المرسوم الذي أصدره الإمبراطور بخصوص تحريم أي نقاش حول الطبيعة الواحدة للسيد المسيح ، في الوقت الذي كانت البابوية تطمع في تحريم المونوفيزينية واضطهاد اتباعها ، ولم يستطع الإمبراطور أن يغفر للبابا هذه اللطمة ،فامر نائبة في إيطاليا بانتهاز الفرصة للقبض علي البابا ، فتم له ذلك أرسل البابا إلى القسطنطينية حيث حوكم ونفي إلى القرم ومات هناك سنه 655

وقد شجع هذا الإمبراطور علي تحقيق سيطرته والانتقال إلى إيطاليا سنه 663حيث اشتبك مع اللومبارديين ، وقصد روما حيث قدم له البابا فيتاليان ( 657-6729 ) فرد من الولاء والتبعية .

ألا أن هذه الأعمال أضرت بسمعه الإمبراطور اكثر مما أفادته ، نظراً لانه لم يتورع عن نهب كثير من التحف والآثار الثمينة التي وجدها في روما ، هذا في الوقت الذي لم يغفر الإيطاليون للإمبراطور قنسطانز هذا ما فعله بالبابا مارثن الذي اعتبروه شهيداً .

وكانت هذه الزيارة كذلك أول لبنه في الصراع الكبير بين البابويه والإمبراطور ، إذا أحس قنسطانز عندئذ بخطورة ازدياد نفوذ البابويه فحاول أن يقلم أظافرها ، فمنح رئيس أساقفته رارافنا – وكان تابعاً لسلطان البابا حق الاستقلال عن البابا . وعدم الخضوع لسلطانه الروحي ، وقد استمر هذا الشقاق بين روما واسقفيه رافنا العشرين عاماً ، حتى انتهي الأمر بعوده الأخيرة إلى  حظيرة البابوية مره أخرى .

وقد عاد الإمبراطور جستنيان الثاني ( 685-695) إلى معاودة القبض علي البابا سرجيوس ( 607-701) وإرساله إلى القسطنطينية ، ولكن النائب الإمبراطوري تعرض للحامية البيزنطية المنوط بها تنفيذ الأمر وسانده شعب روما في ذلك ، وانتصر البابا بذلك علي الإمبراطور الذي عزل .

وقد ساعدت الفوضي التي تعرضت لها الإمبراطورية البيزنطية في الاثنيين وعشرين سنه التالية ( 695-717) علي ضعف نفوذها في إيطاليا ، الأمر الذي أعطي البابويه فرصة للظهور والتمتع بسلطات سياسية اكثر ، حتى أن البابا حنا السادس (701-705) باشر جميع الضرائب في روما ، كما عقد المعاهدات مع الحكام اللمبارديين .

 

انتصار البابوية وازدياد نفوذها :

ساءت العلاقات ألي حد كبير بين روما والقسطنطينية في عهد البابا جريجوري الثاني ( 715، 731) عندما أخذ الإمبراطور ليو الايسوري سياسية منع التعامل مع الأيقونات والتعبد لها ( اللاايقونية) واستغل جريجوري هذه الأزمة بالإضافة ألي ضعف نفوذ الإمبراطور في أواسط إيطاليا وجميع الضرائب ، واصدر قرار بحرمان النائب الإمبراطوري في إيطاليا ن وبذلك خرج عن سلطان الإمبراطور ، وتحالف مع ملوك اللمبارديين المتدنيين الذين أسسوا كثيراً من الأديرة والكنائس .

ألا انه أعلن انه لا يعادي الإمبراطور رغم كل هذا ن ومن ثم أوصل زمام الصراع بين ملوك لمبارويا الإمبراطور ليخرج هو بالغنيمة وحده بعيداً عنهما معاً

خصوص وانه وقع في حرب الأيقونات مع الإمبراطور ولكنه خرج منها ، أعاد الهيبة للأيقونات ظلت الحروب بين البابويه التي كانت دائماً محافظة علي وضعها السياسي والديني . وبين السلطات السياسية سواء كان إمبراطور القسطنطينية أو ملوك اللمبارد في شمال ووسط إيطاليا إلى أن خرجت من كل هذا منتصرة وبيدها مكاسب كثيرة سواء في الأراضي والمال إن في السلطة السياسية والحكم ن مستغله الفرصة التي كانت تواثيها سواء عندما كان ينسب الصراع بين السلطتين الزمنيتين الإمبراطور واللومبارد أو بين الأباطرة في الغال وبين المسلمين .

وانتهي الأمر بالبابوية في القرن الثامن ألي أن أصبحت أملاكها اقوي وحدة مترابطة في إيطاليا ، إذا امتدت من البحر الادرياتي ورافنا شرقاً حتى روما في الغرب في حين فشلت مملكه اللمبارويين في محاولتها لتوحيد إيطاليا .

وهكذا اكتسبت البابوية سلطاناً سياسياً إلى جانب سلطانها الروحي حتى أصبحت عقبة في سبيل الوحدة الإيطالية الكاملة التي لم تتحقق ألا في القرن 19ن ألا أنها رغم هذا أصيبت بالكبرياء والغرور ن ونست إبان هذا الصراع الكثير من القيم المسيحية والواجبات الخاصة بها ودارت في ملك الشهوات والمال الذي هو اصل لكل الشرور ، ومن ثم ضربت نفسها بادواء كثيرة نسميها " أمراض الكنيسة " سنوردها في حينه

 

 

 

تعريف بدير كلونى :

 

رأينا صفحه سوداء من مفاسد الكنيسة الكاثوليكية في عصورها الوسطي خلال القرنيين التاسع والعاشر ، مما أدي ألي أيقاظ بعض الضمائر التي أفزعها ما أل أليه أمر الكنيسة ورجال الدين في غرب أوروبا ، وكان أن انبعثت الدعوة ألي الإصلاح في النصف الأول من القرن العاشر في منطقة اللويين جنوب شرق الغال ( فرنسا حالياً ) حيث كانت الحياة الديرية قوية وسليمة ، ويلاحظ أن هذه المنطقة كانت متاثرة جداً بحياة الرهبنة البا خومية المصرية .

وهناك وبدأ أحد المصلحين واسمه جيرارد وهذه الحركة الإصلاحية ن فبدأ بتأسيس كنيسة قرب نامور في عام 914، ثم الحق بها بعد فترة ديراً ن وسرعان ما سارت هذه الحركة الإصلاحية في اللورين سيراً طيباً ، في وقت كانت أحوال الكنيسة سيئة للغاية كما رأينا  حتى نخر السوس في الأديرة ذاتها وتفشت الأمراض الاجتماعية والنفسية والروحية بين رهبانها أيضا ، خاصة وان هؤلاء هم ما يبقي للمسيحي أن يراه ، إذ هم أهم ثروة للكنيسة .

فلم يبق صوت للإصلاح ألا في هذا الدير ن الذي نادي رهبانه بالعودة إلى تعاليم سلفهم الصالح وذلك بتطبيق نظم القديس بندكت علي الحياة الديرية ولنعلم أن هذا البندكت إنما أسس نظمه علي ما وصله بين نظم الأديرة الباخومية المصرية والذي أوصلها إياه جون كاسيانوس كما أوضحنا من قبل

ألا أن حركة الإصلاح الكولونية ظلت محلية الطابع ، لان أنصار الفساد في الكنيسة استمروا خارج المنطقة اقوي نفوذاً ، فنجد أن الرجال الدين الفاسدين اللذين قادوهم في دعوتهم الإصلاحية ، لان الإصلاح لم يكن في صالحهم ، وان الفساد هو الطريق الأكثر ربحاً لهم ، ثم انهم القوا حياة الضعف والانحلال الروحي ، واصبحوا كالجسد الميت الذي يحاول المصلون بعث الحياة فيه من جديد ، وبذلك كان هؤلاء الفاسدون حائلاً قوياً دون حركة الإصلاح .

ومهما كان الأمر فان الحركة الإصلاحية التي ظهرت في إقليم اللوريين هذه لم تكن الوحيدة من نوعها ، إذ عاصرتها أخري للإصلاح انبعثت داخل فرنسا أسسها " وليم التقي " دوق اكوتين ، حيث أسس ديراً هو الأخر في كلوني عام 910م

 

نظام دير كلونى :

 

روعي في هذا الدير الجديد تجنب الأخطاء والمفاسد التي ترددت فيها بقية الأديرة المعاصرة ، ليصبح رأساً لحركة إصلاحية ديريه شاملة ، ومن ذلك أن دير كلوني لم يقبل أرضا من أمير إقطاعي أو حاكم مقابل خدمات أو ارتباطات إقطاعية مع ذلك الأمير أو الحاكم ، وهكذا جاءت جميع المنح التي تلقاها دير كلوني من ارض أو غيرها حرة غير مشروطة ن ولا بتنافي عنها حاجتها آلا حسن الثواب والصلاة من اجله بذكري في القداسات فقط .

وإذا كان نظام البندكتيين الذي اخذ من الشركة الباخومية تطلب من الرهبان القيام بقسط كبير من العمل اليدوي في الحقول، إلا انه لوحظ عدم تطبيق هذا المبدأ بصورة تكفل تحقيق الغرض المنشود ، لان معظم الأراضي التي كانت تمنح للأديرة عليها فلا حوها المرتبطون بها الذين يقومون بفلاحتها .

ومن هنا وفروا علي هؤلاء الرهبان الجهود والوقت الذي كان يستطيع منهم في العمل اليدوي ليخصص للبحث والصلاة والتعبد تلافياً للفراغ والبطالة التي لا تتماشى وحياة الراهب من اجل هذا اتجه الرهبان الكولونيون إلى الفكر ، فدرسوا وصلوا وصاموا ، وقد قام نظام هذه الأديرة علي أسس من الطاعة المطلقة والتفاني في خدمة الجماعة لكل فالفرد لا شيء وانما المجموع هو كل شيء ، أي التوجة نحو بناء كنيسة روحية هي مجموع من المؤمنين وليس مجرد أفراد لا حياة روحية فيهم .

كذلك أدراك زعماء الحركة الكونية أن الأمراض الخطيرة التي تعرضت لها الكنيسة حينئذ إنما جاءت نتيجة ارتباط الكنيسة بالدولة وما نجم عنها من تدخل في أمور السياسية والإدارة التي ما اغني الكنيسة عنها ، لان ما لقيصر لقصير ومال لله لله ، وازاء هذا عاد أصحاب مبدأ دير كلوني إلي الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية ، إذ هو أول مرحلة من مراحل العلاج لما أصاب الكنيسة من أمراض عرفناها في اختصار ولعل هذا هو السبب في حرصهم علي أن يكون نظامهم الديري تابعاً للبابوية مباشرة دون أن يكون للحكام العلمانيين أو الأساقفة المحليين إشراف علي الأديرة الكلونية التي تقع داخل مناطق نفوذهم ، وهكذا أصبحت الأديرة الكلونية تخضع لأشراف مركزي شديد ، إذ لا يوجد لها سوي مقدم (ربيت ) واحد في الدير الرئيسي بكلوني هو المسئول الأول عن بقية سلسلة هذه الأديرة التي يشرف عليها رؤساء لا يتمتعون باستقلال كبير في اديرتهم ويخضعون خضوعاً مباشراً للرئيس العام في كلوني الذي كان له حق التفتيش عليهم بين الحين والحين لمراقبة سلوكهم واختيار دراساتهم ونموهم الروحي والأخلاقي ، وهذا الرئيس كان يخضع بدورة للبابا خضوعاً مباشراً أي لم يفلح هذا النظام عن الكنيسة الرومانية وانما انسلخ عن نظم الحكم والسياسة والادارة التي لا دخل فيها ولا تتدخل هي في شئونه .

وسرعان ما اشتهر دير كلوني وطابت انفس الرعية بوجوده ن أحس الشعب أن قد افتقده في زمن الظلم ن وانتشرت هذه الأديرة في غرب أوروبا انتشاراً واسعاً وفي سرعة فائقة ، حتى أن كثيراً من الأديرة البندكتية المعروفة في كل من فرنسا وألمانيا تركت نظمها التي بليت أصابها البغض والفساد لتكون ضمن سلسله أديرة كلوني وتحت رئاستها ، هذا بالاضافه إلى الأديرة الاخري التي اختارت أن تحتفظ باستقلالها ألا انها تأثرت في نظمها بمبادىء الإصلاح الكلوني . فكانت كلونية المخبر

والذي يهمنا ألان من أمر هذة الحركة إنها لم تلبث أن تطورت واتسع افقها ، فبعد أن كانت تستهدف في أول أمرها إصلاح الحياة الديرية وحدها ، إذا بها في القرن الحادي عشر  تسعي نحو إصلاح الكنيسة لكل إصلاحا شاملاً معتمدة في ذلك علي ما اصبح للأديرة الكلونية ورجالها من قوة وعظمة ونفوذ واسع عند منتصف القرن الحادي عشر

حقيقية أن الدعوة الكلونية تعرضت لمعارضة قوية من كثير من الأساقفة بل من بعض المؤسسات الديرية الاخري التي آلف أهلها حياة الفساد والكسل الروحي ألا أن حركة الإصلاح الكلوني استطاعت أن تستمر في طريقها السوي دون أن تؤثر فيها هذه الحركات المعارضة

وقد تعرض الرهبان الكلونيون لامراض الكنيسة علي النحو الذي فصلناه من قبل ونجحوا إلى حد ما بالنسبة لامراض السيمونية وزواج رجال الدين ومظاهر الفساد الاخري ألا انهم اصطدموا بمسالة التقليد العلماني أي تدخل الأباطرة والإقطاعيين في سيامة رجال الدين حتى وصلوا إلى الباباوات .

 

الموقف العام من التقليد العلمانى :

كان من الواضح أن هذا الوضع الشائن أفادت منه الدولة الرومانية سياسياً إذ جعل كبار رجال الذين تابعين للحكام العلمانيين ، وجعل الوظائف الدينية اقطاعات يمنحها هؤلاء الحكام لرجال الدين ، لذلك تمسك أباطرة الدولة الرومانية المقدسة بوجة خاص بهذا الحق واعتبروا تخليهم عنه خسارة كبيرة تحيق بسلطانهم السياسي ولكن الكنيسة هي التي كانت الخاسرة في الواقع بسبب هذا الوضع الشاذ الذي أدى إلى تفككها وعدم ارتباطها تحت زعامة البابوية ، بعد أن اصبح الأساقفة أذنا بالملك أو الإمبراطور إن حتى الأمير الإقطاعي يعينهم لخدمة أغراض ولتحقيق اهدافة من تخويف الشعب وإرهابه ومعاملته كرقيق في حين أراد الحكتم العلمانيون من أباطرة وامراء أن يسيطروا علي رجال الدين سيطرتهم علي اقطاعاتهم بما حمله من اقنان ( عبيد) وان يتحكموا في تعينهم حتى يكونوا .أداه طبيعية في أيديهم ، ولا سيما أن رجال الكنيسة كانوا الفئة الوحيدة المتعلمة – التي تستطيع القراءة والكتابة – ومن ثم اشتدت حاجة الحكام العلمانيين إليهم ليستخدموهم في الأمور الإدارية والحساب . وليس الأمر وقف عند هذا الحد بل تعداه إلى تدخل الملوك والأمراء في اختيار الباباوات أنفسهم ، فاخذوا أمراء روما يسيطرون علي البابوية ، وبوجه خاص بعد وفاة بندكت الثامن عام 1014م ، واختاروا لهذا النصب الخطير من يحقق لهم أغراضهم حتى ولو كان من غير رجال الدين ، مما جعل كثيراً من الباباوات يستخدمون الأباطرة الألمان .

ولكن قيام الأباطرة الألمان بحماية البابوية جعل من البابوية صنعه لهم مما ساء الكرادلة المصلحين ، فانتهزوا فرصة وفاة الإمبراطور هنري الثالث عام 1056عن طفل صغير هو هنري الرابع واختاروا البابا ستفن التاسع عقب وفاة البابا فكتور الثاني 1057 ، ويبدو أن هذا الاختيار لم يرق في أعين الأمراء روما فطردوا البابا ستفن التاسع وعينوا البابا بندكت العاشر ، وعندئذ تمسك الكرادلة برائيهم ورفضوا الاعتراف بالبابا الجديد حتى تم عزله هو الأخر . ولوضع حد لهذه الفوضى دعا البابا نيقولا الثاني مجمعا دينيا في روما 1059لتنظيم اختيار البابا وإنقاذ البابوية من الهوة التي غرقت فيها ، وكان أن قرر هذا المجمع أن يتولي الكرادلة وحدهم – وهم اساقفه روما وضواحيها السبع – انتخاب البابا ، علي أن يستدعي الشعب ورجال الاكليروس بعد ذلك لمجرد الموافقة علي هذا الاختيار ، هذا فضلاً عن انه ضرورة اختيار البابا من بين رجال الاكليروس في روما نفسها ، ألا في حاله عدم توافر المؤهلات والشروط المطلوبة اللازمة للمنصب البابوي في أحدهم ، فإذا تقدر لأي سبب أجراء عملية انتخاب البابا في روما فانه يجوز أجراء هذه العملية في أي مكان أخر .

وبذلك استطاعت البابوية أن تتحرر من نفوذ نبلاء روما وسيطرة الأباطرة جميعاً

فضلاً عن اختيار البابا اصبح ذا شكل انتخابي في هيئة مختارة من صفوة رجال الكنيسة لذلك ليس من المبالغة أن تقرر أن هذا الإجراء كان الخطوة الأولى في سبيل إقامة إدارة مركزية في الكنيسة تستطيع ان تباشر حركة الإصلاح الكنسي بوجه عام .

 

من اهم الشخصيات الإصلاحية فى هذه الفترة :

 

من الشخصيات البارزة التي ظهرت في هذا المجمع الكاردينال هلدبرانت الذي رأى بثاقب بصره إقناع أعضاء المجمع بعدم المساس بحقوق الإمبراطور القائم وهو هنري الرابع علي أن يحرم خلفاؤه من أي حق في اختيار الباباوات فيما بعد ذلك ، ولم تلبث شهره هلدبراند ومكانته أن أدت إلى المناداة به بالإجماع لتولي منصب البابوية في عام 1073تحت اسم جريجوري السابع ، وبذلك بدأت صفحة في تاريخ البابوية بل في تاريخ الكنيسة الغربية الكاثوليكية في العصور الوسطي .

والواقع أن البابا جريجوري السابع ( 1073-1085) لم يكن مجدداً ومتكراً ، ولم يسهم ألا بقسط ضئيل في نظريه السمو البابوي ، لان هذه النظرية القديمة ترجع إلى أيام اغريغوريوس الأول ( 590-604) وكثير غيره من الباباوات وحاولوا أن يطبقوا هذه النظرية بسمو البابوية في علاقتها مع الأباطرة ، ولكن إذا كانت نظرية السمو البابوي في ذاتها ليست وليده أفكار جريجوري السابع ألا أن من حقه أن يفخر بان أول من طبق هذه النظرية في إصرار وعناد ، ذلك انه كان يقدر ضخامة مهمة البابوية وعظم رسالتها ، حتى انه قال " أنني لا اقبل البقاء في روما يوما واحد إذا أدركت أنني عديم الفائدة في الكنيسة "

وقد بدأ جريجوري عمله بأن عقد مجمعاً في روما عام 1074لمعالجة مشاكل الكنيسة في ذلك الوقت ، وهي كما سبق وعرضنا السيمونية وزواج رجال الدين والتقليد العلماني ، وقد اصدر هذا المجمع عده قرارات تنص كل من توصل إلى منصباً في الكنيسة عن طريق الشراء ، وان لا يسمح في المستقبل بشراء الحقوق الكنسية وبيعها ،

      كذلك تقرر فصل كل عضو من الكنيسة اتهم بالاستسلام لشهواته .

أما عن زواج رجال الدين ن فقد دعا جريجوري السابع الشعب المسيحي إلي عدم التعاون مع أي قس أو أسقف لا يحرص علي التمسك بسنه الرسل وتعاليم البابوية كما منع القساوسة المتزوجين من الخدمة والوعظ في الكنائس ، وحرم علي الشعب الاستماع إليهم .

علي انه إذا كان البابا جريجوري السابع قد استطاع مكافحة السيمونية وزواج رجال الدين عن طريق تشريعات داخلية في الكنيسة ، فإنه كان من المتعذر عليه مكافحة مبدا التقليد العلماني دون الاصطدام بالحكام العلمانيين ، وعلي رأسهم إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة صاحب النفوذ السياسي الواسع في ألمانيا وإيطاليا ، وتتضح لنا نظره جريجوري السابع إلى الحكام العلمانيين ومكانتهم من رجال الدين في عبارته الشهيرة ( أن قوة الملوك مستمدة من كبرياء البشر ، وقوة رجال الدين مستمدة من رحمه الله ،وان البابا سيد الأباطرة لانه يستمد فداسته من تراث سلفه القديس بطرس )

أما خير ما يلخص أراء البابا الخاصة بعظمة الوظيفة البابوية وسموها وسلطانها الروحي العالمي ، فهي المجموعة التي تنسب أليه والتي جمعت بعد وفاته بقليل حوالي عام 1087، وتعرف بمجموعة باسم الإدارة البابوية أو الأوامر البابوية واهم مواردها :

+ البابا وحده هو الذي يتمتع بسلطة عالمية .

+ البابا وحده يمتلك سلطه رسامة الاساقفه وعزلهم

+ جميع الأمراء العلمانيين يجب أن يقبلوا قدم البابا وحده

+ للبابا الحق في عزل الأباطرة

+ لا يجوز عقد أي مجمع ديني عام ألا بأمر البابا

+ ليس لأي فرد أن يلغي قراراً بابوياً ، في حين انه من حق البابا أن يلغي قرارات بقيه الشعب .

+ لا يسال البابا عما يفعل ولا يحاكم علي تصرفاته

+ للبابا أن يجيز لرعايا أي حاكم علماني تحلل من العهود و إيمان الولاء الذي اقسموها لحاكمهم .

وهكذا يبدو من المبادئ السابقة أن جريجوري السابع أمن إيمانا قوياً بأن البابا له السلطة العليا في حكم المجتمع المسيحي ، وانه يعزل الملوك والأباطرة بوصفه نائباً القديس بطرس ، فإذا امتنع حاكم علماني عن تنفيذ تعاليم الكنيسة ، فإن لها أن تحاربه بالأسلحة الروحية والمادية ، وبعبارة أخري فإن جريجوري السابع رأي الطريق الوحيد لأصلاح العالم وتخليصه من الفوضى والشرور ، هو إخضاعه للكنيسة ، وإخضاع الكنيسة للبابوية ، لذلك وجه جريجوري السابع مجمع روما الديني عام 1075نحو اتخاذ قرار حاسم بشان التقليد العلماني هذا نصه :

( إن أي فرد من ألان فصاعدا بتقليد مهام وظيفته الدينية من أحد الحكام العلمانيين يعتبر مطروداً من الوظيفة ومحروماً من الكنيسة ومن رعاية القديس بطرس ، وإذا جرؤ إمبراطور أو ملك أو دوق أو كونت ، أو أي شخص علماني علي تقليد أحد رجال الدين مهام وظيفته الدينية فانه يحرم من الكنيسة فوراً )

ومن الواضح أن تطبيق هذا القرار يعني تحرير كافة رجال الدين في الاسقفيات والكنائس والأديرة من إشراف الملوك والأمراء في مختلف البلاد ، كما يعني جعل البابا في روما هو المشرف الوحيد علي جميع رجال الدين في كل العالم المسيحي الغربي : من حيث تعينهم أو رسا متهم في مناصبهم والفصل في مشاكلهم والإشراف علي أعمالهم

وهكذا أخذت سياسة جريجوري السابع تنذر بصدام عنيف مع الحكام العلمانيين فرفض وليم الفاتح ملك إنجلترا الاعتراف بسيادة البابوية والتبعية لها ، في حين لم يعبأ فيليب الأول ملك فرنسا ( 1060-1108) بآراء البابا وطلباته ، واستمر في سياسته نحو الكنيسة .

أما أباطرة ألمانيا فكان من الطبيعي ألا يقبلوا إقرار جريجوري السابع العنيف الذي يمس سيادتهم وإشرافهم علي رجال الدين في بلادهم ، ولا سيما أن نحو نصف مساحة أراضى ألمانيا وثروتها كانت في أيدي رجال الدين من اساقفه وأديرة ، فكان معني تنفيذ قرار البابا جريجوري السابع خروج هذه الأراضي من قبضه الإمبراطور ودخولها تحت سيطرة البابا ،الأمر الذي يجعل الحكومة الإمبراطورية ضرباً من الشكليات أو المستحيلات وبهذا وأوشكت البابوية أن تقع في صدام عنيف مع السلطة السياسية وهو النزاع الذي شغل أوروبا طوال القرنيين التاليين ، حتى اصبح تاريخها في هذه الفترة من العصور الوسطي يدور حول محور واحد ، هو البابوية والإمبراطورية وهنا نشير إلى أن البابا جريجوري السابع عندما شرع في سياسته الإصلاحية العنيفة لم يعتمد علي سلاح التشريعات والأوامر البابوية التي أصدرها فقط ، وانما اعتمد أيضا علي سلاح قوي ، هم رجال الأديرة الكلونية أو كما كانوا يسمون( الرهبان السود ) كما اسماهم معاصروهم ، من كثرة اصوامهم وصلواتهم ، وهؤلاء كانوا قوة عظمي ساندت البابا في سياسته ، واعتمد عليهم في تنفيذها ، كما اختار منهم مندوبيه ورسله إلى الزعماء العلمانيين والدنيين .

 

 

 

الباب الرابع

النزاع بين البابوية والإمبراطورية

 

 

 

الدور الأول من النزاع

شاءت الظروف أن يتبلور النزاع بين البابا جريجوري السابع والإمبراطور هنري الرابع إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة ( 1056-1105) حول شغل بعض الاسقفيات الشاغرة وبخاصة في شمال إيطاليا ، إذا صر كل من البابا والإمبراطور علي أن لكل منهما الحق في سيامه الاساقفه وتمسك كل منهما برأيه لانه رأي أن في انتصار خصمه تحطيماً للمبدأ الذي يسعي هو من اجله .

فهنري الرابع وجد في تمسكه برأيه محافظه علي حقه الذي ورثه عن أسلافه ، وان يخصه في فرض رأيه أمر تتوقف عليه هيبته في إيطاليا وغير إيطاليا من بلاد الإمبراطورية ، لذلك أسرع بتعين اثنين من اتباعه علي أسقفيتي فرموfermo وسبوليتو spoleto ، علي الرغم من أن هاتين الأسقفيتين تقعان فعلاً في دائرة اختصاص البابا .

أما جريجوري السابع فقد تمسك من جانبه بنظرته السمو البابوي بحكم أن البابا خليفة السيد المسيح علي الأرض ووريث القديس بطرس في الغرب ، كما اعتبر نجاحه في فرض راية علي الإمبراطور أمرا تتوقف عليه هيبته ومستقبل البابوية ، فضلا عن سياسته في الإصلاح الكنسي – وهي السياسة التي شرع فعلاً في تنفيذها .

ثم تأزم الموقف بشكل خطير عندما عين هنري الإمبراطور أسقفا  جديداً  لميلان هو الأسقف تدالد  tedald في عام 1075ن وحينئذ أدرك البابا انه لابد من العمل السريع ، ويبدو أن جريجوري السابع كان مستعداً عندئذ التحدي والصراع

فارسل رسالة شديدة اللهجة إلى هنري الرابع في أواخر عام 1075انذره فيها بالعزل وهدده بالويل والعذاب ،أن هو لم يخضع لرأي البابوية ، وفي ذلك الوقت ثارت ثائرة الإمبراطور فعقد تجمعاً في ورمز worms في يناير 1076 قرر فيه بطلان انتخاب البابا جريجوري السابع بل وعزله من منصبه .

وعندما سمع البابا بذلك قابله بهدوء ، ودعا هو الأخر بعقد مجمع في الفاتيكان في فبراير 1076 قرر فيه توقيع الحرمان علي هنري الرابع وعزله من منصبه وتحرير جميع رعاياه واتباعه من إيمان الطاعة والتبعية التي اقسموها له ، وبذلك بدأت الحرب بينهما ومع أن موقف الطرفين كان حرجاً وصعباً ألا انه من الواضح أن هنري الرابع وجد نفسه في موقف اصعب من خصمه ، لان البابا كان يستطيع أن يعتمد علي عطف كثير من إنباء العالم المسيحي بوصفه الأب الروحي للكنيسة ، في حين كان هنري الرابع لا يستطيع حتى الاعتماد علي ولاء رعاياه بعد أن وقع عليه البابا قراره بالحرمان بوصفه مسيحياً وعقوبة العزل بوصفه ملكاً

وبعبارة أخري فإن كفتي البابوية والامبراطوريه لم تكونا متعادلتين أبدا عند بداية النزاع بل طيلة أدوار النزاع الآتية ، لان البابا كان يستطيع أن يعتمد دائماً علي أسلحه قويه أهمها شعور الشعب من حوله ، فضلاً عن الأسانيد المستفادة من الكتاب المقدس التي تعطي البابا هذا الحق العظيم ، في حين استند الإمبراطور فيما ذهب إليه إلى :

1-   القانون الروماني الذي يمجد الإمبراطورية وسلطتها وهو مستمد من أصول وثنية يسهل علي البابوية الطعن فيها .

2-      الجيش الإمبراطوري الذي ثبت عجزه في اكثر من مناسبة عن إخضاع البابوية

3-   والواقع أن الإمبراطور لم يجد له نصير سوي تلك الفئة قليلة العدد من رجال الدين والإيمان الذين عرفوا بالسيمونية وسوء السيرة ، وهؤلاء لم يكن لهم من النفوذ أو المقومات الخلفيه ما يجعل منهم سنداً حقيقياً للإمبراطور ، أما زود المكانة من القديسين وكبار رجال الدين فقد شايعوا جميعاً البابوية في موقفها المعادي للملك .

وهكذا تلفت هنري الرابع حوله فلم يجد من يعتمد عليه من الدوقات والأمراء ، إذ كانوا جميعاً يخشون نزعته الاستبدادية ، فكان أن عقد أمراء ألمانيا وأساقفتها مجمعاً في تريبور  tribur في اكتوبر 1076 وقرروا فيه الخروج علي طاعه هنري الرابع وإنذاره باختيار إمبراطور غيره علي ألمانيا أن لم يغفر له البابا في مده أقصاها فبراير 1077ن علي أن يقضي الفترة ما بين اكتوبر 1076 وفبراير 1077 في أحد الأديرة محروماً من الإمبراطورية

وكان أن انسحب هنري الرابع إلي ذلك الدير الذي جعل يفكر فيه في حاله ، وان كان الموقف لم يكن في حاجه إلى تفكير ، ذلك أنه وجد نفسه وحيداً أمام خصم عنيد لا يرحم ن فلا بدله من التراجع والاستسلام إذا أراد إنقاذ عرشه ، مما تطلب من هنري الرابع سرعة العمل قبل أن يجتمع أعداؤه في ألمانيا فيؤدي ذلك إلى مظاهره عدائية ضد الملك تضعف مركزه وتجعل البابا يتشدد في موقفه ، واخيراً لم يجد الإمبراطور هنري الرابع حلاً أمامه سوي أن يرحل سراً إلى البابا ، في الوقت الذي كان البابا قد بدأ رحلته إلى ألمانيا ، ولكنه أسرع عندما علم أن خصمه هنري الرابع عبر الألب ساعياً إليه ، واحتمي البابا في قلعه "  كانوسا" التابعة لماتيلدا ملكه تسكانيا ، وكان البرد قاسياً عندما اخذ هنري الرابع يصعد الطريق الجبلي الواعر إلى قلعه كانوسا ، حيث بقي ثلاثة أيام واقفاً علي الجليد أمام أبواب القلعه الموصدة في وجهه ، حتى تعطف عليه البابا وسمح له بالمثول بين يديه علي الشرط بأن يسلم للبابوية بكل ما نطلبه دون أي قيد وكان ذلك في يناير 1077.

ويقال أن الإمبراطور دخل علي البابا حافي القدمين مرتدياً ثوباً من ثياب الرهبان المصنوعة من الصوف الخشن ، حتى أذا ما وجد نفسه أمام خصمه ارتمي عند قدميه وانفجر باكياً وهو يصيح 

                                      " اغفر لي يا أبتاه المقدس "

فغفر له البابا بعد أن فرض عليه شروطاً قاسيه وزوده بالنصح والإرشاد اكتسب بهذا هنري الرابع غفران البابا وطالب بولاء رعاياه ولكن بعد أن دفع الثمن غالياً ، كلفه كرامته ومكانته ، فها هو حاكم الامبراطوريه العظيم بذل نفسه أمام البابا ويعترف للبابوية بحقوقها كاملة حتي حرمانه من رعاية الكنيسية وعزله من منصبه ، وها هو حليفه قيصر وشارلمان ارتضي أن يقف البابا منه موقف الحكم بينه وبين شعبه ، أن شاء أمرهم بالخروج علي طاعه وان شاء أمرهم بالامتثال له ، لذلك ليس من المبالغة أن نقرر أن الضربه التي أنزلها البابوية بالإمبراطور في كانوسا كانت قاصمه ، وان الأخيرة لم تسترد هيبتها ومكانتها السابقة مطلقاً بعد ذلك .

 

تقييم الموقف فى نظر الرأى العام الأوروبى :

الواقع أن هنري الرابع لم يستفد كثيراً من مقابله كانوسا ، كما أن هذه المقابلة لم تكن مكسباً علي طول الخط بالنسبة للبابا جريجوري السابع ، حقيقة أن البابا خرج من هذه الجولة مرفوع الرأس بعد أن حقق سمو الباباوية ، ولكن مسلك جريجوري نفسه العنيف أساء إلى  نسبه كبيرة من نفوس الرأي العام المسيحي ، فعاب كثيرون علي البابا شدته وقسوته وهو رجل الدين الذي يجب أن يتسم بالرحمة والخلق السمح فهو الأب الرحيم .

أما هنري الرابع فسرعان ما استكشف أن خسارته في كانوسا كانت كبيرة ، لأن خضوعه للبابوية علي ذلك الوجه لم يفده شيئاً في استرضاء أعدائه وخصومه الخارجية عليه في ألمانيا، بل أن أنصاره في لمبارديا في شمال إيطاليا أسماءهم جداَ أن يريق الإمبراطور ما وجه أمام البابا بهذا الشكل فنادوا بخلعه واحلال ابنه محله ، هذا في الوقت الذي اعتبر أمراء المانيا فرار الملك سراً إلى كانوسا خروجاً علي العهد الذي اخذه علي نفسه تنفيذاً لقرارات مجمع تريبور التي قضت بانزوائه في أحد الأديرة حتى يغفر له البابا.

ولذلك عقد الأمراء الألمان مؤتمراً في فورخها بم  forhheim  في مارس من عام 1077 قرروا عزل هنري الرابع عن العرش واختيار رودلف دوق سوابيا ملكاً بدله ، وهنا حرص الامراء قبل البدء في الاجراءات الخاصة بتتويج الإمبراطور الجديد علي يد أسقف مينز ، علي أن يأخذوا عليه موثقاً بالا يطالب بأي حق وراثي لابنائه في العرش وألا يتدخل في حريه انتخاب الاساقفه .

علي أن شعور العطف علي هنري الرابع اخذ بتزايده في سرعة حتي بلغ حدا أصبحت عنده معظم المانيا في جانبه ، ما عدا سكونيا التي ناصرت رودولف ، وقد استمرت الحرب الاهلية بين الطرفين قرابه ثلاثة أعوام ( 1077- 1080 ) وفتحت باب النزاع من جديد بين كل من هنري الرابع وجريجوري السابع ، وذلك أن البابا اختار أن يقف موقف الحياد في المرحلة الأولى من مراحل هذه الحرب بين هنري ورود لف حتي يحصل هو من الطرفين علي اعتراف بسيادته

وعندما انتصر رودلف علي خصمه في يناير 1080 أعلن البابا رأيه صراحة في انه يؤيد رودلف وعقد مجمعاً دينياً في نفس العام قرر فيه إعادة توقيع الحرمان علي هنري الرابع وإقصائه من العرش الإمبراطوري .

وهكذا اخذ جريجوري السابع ينادي بأنه قبل أن تحل بداية العام التالي سيكون هنري الرابع قد فقد عرشه وحياته أيضا ، ولكن شاءت الظروف ألا يتحقق له شيئاً من هذا ، ذلك أن هنري الرابع أدرك أنها معركة حياة أو موت فاظهروا إصرارا وحماساً بالغين ، ولا سيما بعد أن أمن بوجود أنصار كثيرة له في إيطاليا وألمانيا ، لذلك رد هنري الرابع علي البابا بعقد مجمع في بركسن  brixen  في يونيه 1080 دعا إليه انصاره من اساقفه ألمانيا وشمال إيطاليا ن وتقرر في هذا المجمع عزل البابا جريجوري السابع من الكنيسة وانتخاب جيوبرت رئيس اساقفه رافنا لخليفة في منصب البابوية . وقد امتاز هذا البابا الجديد الذي اتخذ اسم كلفت الثالث بالخبرة الطويلة والكفاية العظيمة فاسرع مؤتمر بركسن إلى رافنا ليوجه الأمور في شمال ايطاليا ضد منافسة جريجوري السابع ، وهكذا اشتد النضال وتعقد الموقف بعد أن وجد علي المسرح اثنان من الباباوات يتنازعان الكرسي البابوي واثنان من الملوك يتنازعان العرش الإمبراطوري ، واختار الحظ أن يقف في جانب هنري الرابع وكلمنت الثالث في المانيا وإيطاليا جميعاً ، إذ دارت معركة حاميه في اكتوبر 1080 انتصر فيها رودلف ألا انه قتل فور فوزه ففاز هنري الرابع .

أسرع هنري الرابع بعد هذا ليعبر جبال الألب ويقابل خصمه الثاني جريجوري السابع وتوجه بجيوشه إلي روما ، وفي هذه المرحلة الحاسمة لم يجد البابا جريجوري ألا الاعتماد علي حليفه ماتيلدا ن ألا أن قوات ماتيلدا أصيبت بهزيمة ساحقه من هنري الرابع ن في روما أسرع هنري الرابع لعقد مؤتمر ديني في مارس 1084قرر فيه عزل جريجوري السابع وحرمانه من الكنيسة ، واعقب ذلك اعتلاء كلمنت كرسي البابوية في روما وتتويج هنري الرابع إمبراطور في كنيسة القديس بطرس .

أما جريجوري السابع فقد احتمي بقلعة سانت إنجيليو في روما ، ومن هناك جعل يستحث حلفاوه في جنوب ايطاليا للإسراع لنجدته .

 

نهاية حزينة لروما وجريجورى السابع

 

قدم أهل جنوب إيطاليا إلي روما لا حرصاً علي سلامه البابا جريجوري السابع ن ولكن خوفاً من ازدياد نفوذ هنري الرابع في إيطاليا مما يهدد مصالحهم ومطامعهم في الوصول إلى الحكم ، و أحس هنري أن قواته قد حققت عن مواجهتهم ن فغادر بهم روما قبل أن يصلوها متجها إلى ألمانيا .

وهنا أسرع أهالي روما إلى إغلاق أبواب مدينتهم في وجه الغزاة خوفاً من قسوتهم  ألا انهم افتحوا المدينة في مايو 1084 وانسابوا في شوارعها ينهبون ويدمرون كل ما تصل إليه أيديهم حتى احترقت احياء باسرها ، وبيع آلاف من أهل روما في أسواق الرقيق ، ثم انسحب الغزاة بعد ذلك إلى جنوب إيطاليا تاركين روما تنعي مجدها وحرقها وقد أثارت هذه الأحداث الرأي العام المسيحي ضد جريجوري ، من جديد ، فهو الذي تسبب في كل هذا الخراب الذي حل بأهل مدن في ذلك الوقت ، لذلك خشي جريجوري السابع أن يبقي وحيداً في روما وسط مظاهر السخط التي أخذت تنهال عليه ، واثر مرافقه حلفائه من هؤلاء الغزاة إلى وصوله إلى بلدة سالرنو حيث مات في مايو 1085 ، وكانت أخر عبارة فاه بها جريجوري السابع وهو علي فراش موته " لقد أحببت العدالة وكرهت الظلم ، ولذا أموت مغترباً "

 

 

استمرار الصراع بين البابوية والأمبراطورية

حول التقليد العلمانى

 

 

 

بعد وفاة البابا جريجوري السابع لم تضع حلاً لمشكله التقليد العلماني ، سيما وانه هناك بابا نصبه الأباطرة هو البابا كلمنت الثالث ، فكان يوافقهم علي كل ما يرون بينما ظل كرسي روما بعد وفاه جريجوري شاغراً لمدة سنه ، ثم تناوب عليه فكتور الثالث في مايو 1086ومات سريعاً في 1087 فاختار الكرادلة ( اوربان الثاني ) الذي سار علي نهج جريجوري في الإصلاح الكنسي معتمداً علي التحالف بين البابوية والإمبراطورية ماتيلدا والنورمان في جنوب إيطاليا ، وبسبب هذا نشب الصراع بينه وبين البابا الإمبراطوري كلمنت الثالث ، ونوجه الصراع بين أوربان والإمبراطور هنري الرابع من جديد في ألمانيا وإيطاليا فارسل هنري جيشاً هزم جيش ماتيلدا والإيطاليين واستولي علي قلاعها ما عدا قلعة كانوسا شديدة الاستحكامات ، فظن ابنه ( كونراد ) أن هذا عمل الهي فخرج علي أبيه واعلن الثورة ضده في عام 1093حيث قام رئيس اساقفه جنوب إيطاليا بتتويجه ملكاً علي إيطاليا .

 

 

جهود البابا أوريان الثانى :

 

-    أخذ يجوب البلاد يدعو السلطة البابا علي الكنيسة وتقويه جانبها ، ومما دعم موقفه إعلانه الحرب الصلبيه علي المسلمين في عام 1065 في مجمع عقده في كليرمونت ، فجعل من الكنيسة زعيمه فعلية للعالم المسيحي في هذا الصراع الذي امتد لسنوات ضد المسلمين .

-    كما عمل علي توطيد مركزه في إيطاليا وتصفيه مشكلاته مع نورمان جنوب إيطاليا وتوفي فجاه في 1099 ومات بعده البابا الامبراطوري كلمنت الثالث .

 

 

عودة الصراع بين البابا الجديد والإمبراطور :

حاول الإمبراطور هنري الرابع تسوية الخلاف مع الكنيسة ألا انه وجد أن الشروط التي وضعها البابا اوربان جعلت الصلح يتعذر ألا أنها كانت في صف الكنيسة اكثر ، كما اصدر البابا الجديد باسكال الثاني قرار بحرمانه من رحمه الكنيسة ، فاستسلم هنري الرابع وترك العرش لابنه ومات في 1105

وفي عهد الإمبراطور الجديد ( هنري الخامس ) شب الصراع من جديد حول التقليد العلماني انتهت بشروط عرضها البابا عليه وكانت :

-        تتنازل الكنيسة عن كل مالها من أراضى وحقوق إقطاعية وقضائية حصلت عليها أيام شارلمان .

-        تكتفي الكنيسة بالعشور والتبرعات الخيرية .

-    في مقابل ذلك تنتهي مصلحه الإمبراطور في التمسك بتقليد الاساقفه ( التقليد العلماني ) علي أن يعود هذا الحق للبابا وحده .

وفي هذا يتضح مدي تضحية الكنيسة بالماديات في سبيل الحقوق الروحية ، وكان من الطبيعي أن يقبل الإمبراطور هنري الخامس هذا العرض الذي يعطيه ملكيه أراضى الكنيسة واملاكها الواسعة ، ولكن خرجت مشكله أخري نتيحه لهذا ، وهي موقف الاساقفه ورجال الكنيسة الذين كانوا أمراء إقطاعيين وعاشوا علي مستوي الأمراء في حياتهم الخاصة فقاموا بمظاهرات كبيرة في روما في كنيسة القديس بطرس وقتل الكثير من الشعب وقبض علي عدد من الاساقفه بمعزفه ملك ألمانيا وتدخل هنري الخامس من جديد وتنازل البابا عن هذا الحق الروحي ليعود التقليد العلماني مرة ثانية إلى يد الامبراطور .

ألا ان هذا الوضع لم يرض اراخنة الكنيسة فثاروا علي البابا ، فلم يسعه ألا أن ينقض وعده واتفاقه ، فانقسمت الكنيسة علي نفسها أمام قوي الأباطرة والأمراء وفر البابا تحت هذه الضغوط إلى جنوب إيطاليا ومات هناك في 1118

ولما تولي بعده البابا كالكتس الثاني في 1119 عقد مجمعاً دينياً في ريمس وتفاهم الامبراطور الذي كان قد مل هذا الصراع ، وبذلك اخذ الطرفان يبحثان عن حل توفيقي للمشكله ، واظهر البابا للإمبراطور أن هدف البابوية ليس إضعاف الإمبراطورية وتقليل شأنها وانما تعظم قدرها وتقويه نفوذها ، وبهذا عقدت بينهما اتفاقية ورمز  worms  في سنه 1122 ونصت علي : أن يكون انتخاب الاساقفه ورؤساء الأديرة خارج ألمانيا وفق القانون الكنسي دون أي تدخل من جانب السلطة العلمانية ، وبعد الاحتفال بتقليد الأسقف دينياً يستطع الامبراطور أن يكلفه أو يزوده بأية سلطة ، أما في ألمانيا فيكون اختيار الاساقفه عن طريق الانتخاب ، وللإمبراطور أو مندوبه حق حضور عمليه الانتخاب دون الالتجاء إلى السيمونية أو العنف ، وبعد أن يتم انتخاب الأسقف قانونياً يقلده الامبراطور علمانياً قبل تقليده دينياً .

هكذا وضعت هذه الاتفاقية حداً للنزاع حول التقليد العلماني ، أنهت الدور الأول من أدوار النزاع بين السلطتين الدينية والسياسية في أوروبا .

 

الدور الثانى من الصراع بين الإمبراطورية والبابوية

مر قرابة قرن من الزمان ووصل إلى كرسي البابوية البابا ادريان الرابع ووصل إلى الإمبراطورية فردريك الأول ، وجعل كل منهما بسعي لتقويه مركزه خصوصاً وان كلا منهما كانت له شخصيته القويه بالاضافه إلي الحروب الصلبيه التي كانت رحاها دائرة في الشرق

فلما بدأ الامبراطور يجور علي حقوق البابا حتى أنه حبس كبير اساقفه لوند الذي كان صديق حميماً للبابا ادريان الرابع ، وعندما دخل مندوب البابا علي الامبراطور عام 1157 حياه بعبارة غريبة هي

                                      " أن البابا يحيك كوالد والكرادلة يحيونك كاخوة "

فدهش فردريك من هذه التحية التي جعلت من الكرادلة اخوة مساويين للإمبراطور ن كما أن الإمبراطور دهش من رسالة البابا المرسلة إليه والتي احتوت عبارة فوداها أن التابع الإمبراطوري يعتبر منحه من البابا ، فالبابا بذلك يمنح الإمبراطورية للإمبراطور ، فثار لكرامته وايده الاساقفه الألمان في ذلك ( لاحظ انقسام الكنيسة بين كنيسة ألمانية تتبع الإمبراطور واخري في روما تتبع البابا ) أدرك الإمبراطور أن قبوله لهذه الرسالة هو تنازل عن حقه واعلان تبعيته لهذا البابا ، ولذلك رد مدافعاً عن حقه " أننا نتسلم الإمبراطور من الله عن طريق انتخاب الأمراء ، فأن شريعة الله تقضي بان يكون حكم العالم بواسطة سيفي الإمبراطورية والبابوية ، كما قضت تعاليم القديس بطرس ن بان يجب علي الناس أن يخافوا الله ويكرموا الملك ( رسالة بطرس الأولي الايه 17)  وعلي هذا فإن كل ما يقوله بأننا تسلمنا التاج الإمبراطوري إقطاعا من البابا يعتبر باطل العقيدة لانه يخالف أوامر الله وتعليم بطرس الرسول .

وقع هذا الرد وقع الصاعقة علي رأس البابا ، وكان عليه أن يتجنب سوء الصدام بينهما ولو أن سوء النية قد توافر بين الطرفين ، وان هذا الحادث قد كشف النقاب عن حقيقة شعور كل منهما تجاه الأخر ومهد الطريق لصدام قريب بينهما

فالإمبراطور بدأ يدخل بنفوذه في منطقه نفوذ البابا في شمال إيطاليا وساعده علي ذلك خوف بعض الآراء وضعفهم هناك بالإضافة إلى ضعف البابا نفسه لكبر سنه وتوفي في 1159 وخلفه الكاردينال رولاند باسم البابا اسكندر الثالث وظل في منصبه قرابة 22 سنه ( 1159- 1181) تمسك أثناءها بحقوق الباباوية ودخل النزاع إلى مرحله العنف بين الإمبراطور وبينه سيما وانه كانت تحكمها علاقات سيئه قديمة بينهما ، فاستعمل البابا في روما سلاح الحرمان ضد بابا ألمانيا مما آثار الإمبراطور ، واراد أن يكسر أنيابه حتى بالسلاح لو استطاع ألا أن اساقفه ألمانيا أنفسهم وهم التابعون له لم يوافقوه علي أن يشهر السلاح ضد الكنيسة مهما كان الأمر ، فتألف حلف علماني بزعامة الإمبراطور الذي ثار لكرامة الامبراطوريه ، وعقد رجال الاكليروس في روما حلفاً واحد برئاسة البابا اسكندر قراراً بحرمان الإمبراطور من رحمه الكنيسة .

وهنا نفذ الإمبراطور فكرته وهو استعمال القوه العسكرية فزحف علي روما بجيش جرار ، فهرب البابا إلى جنوب إيطاليا حيث النورمان المحاربين الأشلاء بالاضافه إلى انتشار مرض الطاعون في جيشه ففتك بالكثير من رجاله ولم يستطع العودة عندما حوصر من الجنوب بالنورمان ون الشمال بتحالف دويلات شمال إيطاليا والطاعون ينهش رجاله فهزم أسس حلفاء البابا في هذا المكان مكاناً باسمه  واعتبروها معجزه علي يديه وسمي المكان بمدينه الإسكندرية نسبه إلى البابا اسكندر شمالي مدينه جنوا .

أخيرا لم يجد الإمبراطور فردريك مفراً من الخضوع والتسليم ن فدخل البندقية منكس الأعلام حيث كان البابا اسكندر الثالث في انتظاره يحيط به جموع حافلة من الكرادلة تلمع عيونهم بالفرحه بهذا الانتصار الذي عدوه انتصار ألهيا ن ولم تلبيث أن تكررت تمثيلية كانوسا بعد مرور مائه عام ، فآتي الإمبراطور فردريك الأول العظيم حليفه فتجرد شارلمان كما كان ينادي ليرتمي بين قدمي البابا اسكندر الثالث باكياً طالبا ً منه الصفح والغفران ، مثلما فعل سلفه العظيم هنري الرابع مع البابا جريجوري السابع 1077

وهكذا تم الصلح بين الإمبراطورية والبابوية في أغسطس عام 1177 أي بعد مائه عام بالتمام فوافق فردريك الأول علي رد جميع الأراضي المغتصبة من الباباوية ، وتعهد كل من الطرفين بمساعده الطرف الآخر ضد أي عدو يهدده ، علاوة علي عما وافق عليه الإمبراطور من عمل هدته مع حلفاء البابا النورمانديين في صقليه لمده خمس عشره سنه ، وهدنه أخرى مع المدن اللمباردية في شمال إيطاليا لمده ست سنوات وقبل أن تنتهي هذه الهدنه الاخيرة مع المدن اللمباردية ثم توقيع صلح كونستانس سنه 1083 بين المدن اللمباردية والإمبراطور ، وهو الصلح الذي نص علي أن تتمتع هذه المدن بجميع أركان الاستقلال السياسي والقضائي والاقتصادي والعسكري ، مع احتفاظ الإمبراطور ببعض الظاهر التي تصور سيادته اسمياً ، مثل موافقته علي تعيين حكام المدن وفرض الضرائب البسيطة للمساهمة في نفقات جيوش الامبراطوريه

علي انه من الواضح أن هذه الشروط لا تحفي الحقيقة الواقعة وهي أن المدن اللمباردية أصبحت دويلات مستقلة بمقتضى معاهده كونستانس وأن نفوذ الإمبراطور في شمال إيطاليا اصبح اسمياً وان الباباوية قد أخذت وضعها بشكل كبير

                                                ـــــــــــ

ومن هنا نري في هاتين الحلقتين من الصراع بين الامبراطوريه والبابوية أن :

1-   أن الكنيسة كانت سلطه وكانت إقطاعية تبحث عن نفوذها السياسي والاقتصادي ولو بحد السيف أو الثوارات .

2-   تبحث عن نفوذها وتقويته حتى باندلاع الحروب الصلبيه في الشرق التي خاب أثرها وتركت الكنيسة الشرقية المظلومة تدفع قسطاً كبير من الثمن

3-   أن الباباوات في انتصار تهم علي الأباطرة دخلهم الزهو والافتراء فتركوا جانب الروح وبحثوا عن لذة الجسد فتركوا الكتاب المقدس وبحثوا عن المال والسيف .

4-      ذهبت نفوس الشعب المسكين تحت أرجل هؤلاء أولئك دون تقديم أي عمل روحي .

 

 

 

 

الفصل الخامس

البابوية والحركات الدينية فى

أواخر العصور الوسطى

 

 

 

 

 

البابوية فى أوج عظمتها :

 

بلغ نفوذ البابوية الروحي والفكري والدنيوي ذروته في القرن الثالث عشر ،

عندما اصبح البابا وكأنه ملك عظيم يتمتع بسلطان سياسي فوق سلطانه الروحي ، ويهيمن علي الكنيسة ضخمه ذات إدارة منظمة ، لها قوانينها وتقاليدها ومحاكمها ، فإذا أراد البابا أمرا فإرادته هي النافذة يطيعها الملوك والأباطرة ، بل ويحرصون علي تنفيذها ، وألا تعرضوا لعقوبة الحرمان والطرد من رحمه الكنيسة وما يتبع ذلك من متاعب لا قبل لهم بها في داخل بلادهم وخارجها .

وتبدو لنا هذة الصورة أوضح ما مكون علي عهد البابا انوسنت الثالث ( 1198- 1216) الذي استطاع أن يلعب دوره بمهارة في السياسة العالمية لغرب أروبا ،  وان يفرض كلمته علي اعظم حكام الغرب ، بل والشرق أيضا ، المسيحيين ن ولعل ما اسهم به بشكل واضح في توجيه سياسة الامبراطوريه الرومانية المقدسة ما يدل علي ذلك ، فقد ناصر الامبراطور اوتو الأول ضد هوهنشتادفين وكان سلاحاَ له الأخر ن وفي فرنسا اخذ يمد انوسنت كذلك انفه في شئونها الداخلية في عهد ملكها فيليب اوغسطي حتى إذا ما أراد الملك أن يقف موقفا حازما من البابوية  إذا بالبابا انوسنت يوقع قراراً بحرمانه هو وبلاده وكان ذلك سنه 1200 مما اخطر ملك إلى الإذعان إلى البابا واصلاح أموره معه حرصاً علي مكانته دولته ، وفي إنجلترا نجد إنها أيضا لم تنج هي الأخرى من سلطه البابا انوسنت الثالث هذا وعناده معها ، وما كان من موقف الملك حنا حول تعيين كانتربري سنه 1207 وكيف أن البابا أصر علي رفض مرشح الملك واصدر ضده وضد بلاده قراراً بالحرمان سنه 1208 – 1209 بل وان انوسنت استحث فيليب اوغسطي علي غزو انجلترا ، ليوقع بين الجارتين فرنسا وانجلترا ، مما دفع الملك حنا الي أن يزعم أخيرا سنه 1213 لرغبه البابا انوسنت الثالث ويقبل شروطه وهو صاغر

أما في الشرق فكان موقف البابا انوسنت الثالث متسلطاً فعندما استولت الحمله الصلبيه الرابعة علي بلدة زارا ثم علي القسطنطينية سنه 1204 مما أدي الي قيام الإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية علي أنقاض الدولة البيزنطية ، كانت البابوية هي المتلسطة تتحكم في إسقاط أباطرة واقامة آخرين وكيف كان ملوك أوروبا يحرصون علي الخضوع لكلمتها ، حتى أننا يمكننا القول أن الحاكم الفعلي للعالم المسيحي عند مستهل القرن الثالث عشر كان البابا انوسنت الثالث

 

 

أهم مظاهر السيادة البابوية

 

 

 

كان أهم مظاهر السيادة البابوية في ذلك العصر اتساع نشاط المحكمة البابوية في روما ، حتى صار الكثيرون يلجأ ون الي روما في القضايا الصغيرة والكبيرة علي السواء ن مما جعل القانون الكنسي يتخذ صفه عالمية من جهة كما جعل البابوية علي صله وثيقة أطراف العالم المسيحي من جهة أخري ، وقد توسعت البابوية في ذلك العصر في نظام المبعوثين أو المندوبين ن فكان البابا يرسل مندوبا أو اكثر الي إيه جهة من جهات العالم المسيحي لحل مشكله أو قضيه أو إبلاغ عن رغبة بابوية معينه ن وعن طريق هؤلاء المبعوثين استطاع البابا أن يقف علي أحوال الكنيسة المسيحية في مختلف البلاد الأوربية من ناحية وان يضمن تحقيق مصالحه وتنفيذ رغباته من ناحية أخري

 

اقتصاد البابوية

 

كان من الواضح أن هذه الإدارة البابوية المترامية الأطراف كانت في حاجة الي مالية ضخمه تسد مطالبها بمظاهرها ، وهنا استطاع البابا أن يحصل من الأملاك والأراضي البابوية علي نفس العوائد والرسوم التي حصل عليها الملوك والأمراء من أراضيهم ، زيادة علي الأموال التي حصلت عليها البابوية من الأديرة والملوك والأمراء الذين ينشدون حمايتها في مختلف أنحاء أوروبا .

كذلك اعتادت بعض البلاد الغربية وحكامها آن يدفعوا ضريبة معينه للبابوية ن كما أدى ازدياد نشاط المحكمة البابوية الي أضافه مورد مهم نتيجة للرسوم القضائية التي تفرض علي المتقاضين ، ثم جاءت الحروب الصلبية لتهيئ للبابوية مورداً جديداً ضخماً ، إذا اخذ الباباوات في القرن الثالث عشر يفرضون ضريبة إيراد علي رجال الكنائس لتمويل الحركة الصلبية فإذا أضفنا الي كل ذلك أيراد صكوك الغفران التي أكثرت البابوية من بيعها لطالبي التوبة والمغفرة والرسوم التي كان البابا يتقضاها عند تقليد رجال الدين ( السيمونية ) مهام منصبهم أدركنا في النهاية أن البابوية لم تعد فقيرة ككنيسة الإسكندرية مثلاً عديمة هذه الموارد كلها ، وانما متعددة مصادر الثروة حتى أصبحت أحيانا تناطح الإمبراطورية في مواردها ونسي الباباوات من هم وما هي واجباتهم في الدين والروحانية ورعاية أبناء الله الذين ائتمنهم عليهم ومن أيديهم يطلب دمهم .

 

الأسر البابلى للكنيسة :

 

 

إذا كان النفوذ البابوي قد بلغ ذروته في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، ألا أن البابوية سرعان ما تعرضت لهزات عنيفة زلزلت عرشها أضعفت مركز الكنيسة وقللت من هيبتها ، ومهما تعددت أسبابها التي حاول بها المؤرخون تفسير الأزمات التي آدت الي أضعاف مركز الكنيسة بوجه عام ومركز البابوية علي وجه الخصوص أبان القرنيين الرابع عشر والخامس عشر ، فان هناك سبباً واحداً جديراً بان يستدعي الانتباه ألا هو : تطور العقلية الأوروبية والمجتمع الأوروبي بوجه عام تطوراً علمانياً دينوياً فالآفاق الجديدة التي آخذت تتفتح أمام الغرب نتيجة للنشاط التجاري والتطور السياسي وتدفق العلوم الجديدة التي احتضنتها

 

الجامعات الناشئة :

 

هذة التيارات جميعها جعلت الغرب الأوروبي ينشغل عن الكنيسة وتعاليمها وقيودها ، ويتجه نحو حياة اكثر حرية وارحب أفقا وهكذا أحباء وقت اخذ صالح الدولة يبدو اكثر كراهية من صالح الكنيسة ، كما بدأ يسري شعور بان واجب الفرد نحو دولته ووطنه ينبغي أن يسبق واجبه نحو الكنيسة ، مما جعل السياسة العلمانية تشكل خطراً جسيماً علي السياسة الكنيسية .

وهناك فترة في القرن الرابع عشر ظهر فيها تدهور نفوذ البابوية واضحاً بحيث لم يبق لها سوي القليل من سلطانها الواسع الذي كانت علية في القرن السابق وهذه الفترة ما بين سنتي 1305- 1377 التي يطلق عليها الإيطاليون الكاثوليك فترة ( الآسر البابلي ) حيث كانت البابوية خلالها مقيمة في افيينون شبه أسيرة بحكم خضوعها للملكية الفرنسية ، بعيدة عن مقرها التقليدي في روما ، وكانت مسبة تماما كما كان الشعب اليهودي مسبباً في ارض بابل لمدة سبعين سنه في العهد القديم

واول الباباوات الذين عاصروا فترة السبي هو البابا كلمنت الخامس وقد اختاره الكاردنيالات لمنصب البابا لانه كان واحدا من أنبل الرعايا الذين كانوا يدينون للملك إدوارد الأول ملك انجلترا ، وكانوا يعتقدون انه لهذا السبب سيسلك سبيلاً مغايراً الخط الذي يريده ملك فرنسا مضحياً في سبيل ذلك بالكثير .

وقد أعلن هذا البابا في اجتماع في عام 1309 انه قد نقل مقرة الي اقينون علي ساحل الرون وهي مدينه لا يفصلها عن فرنسا سوي مجري النهر وبقاء البابا في هذا المنفي الاختياري افقد البابوية تأثيرها ومكانتها في أذهان الناس وضمائرهم ، وكان الانتقال أيزانان بضياع نفوذ البابوية وسلطانها وكان هذا رد الفعل لدي الرأي العام في كل مكان في أوروبا حتى لدي أولئك البسطاء الذين لم يكن لديهم ادني حظ من الثقافة أو القدرة علي التفكير .

ولقد لعبت السلطات الحاكمة في فرنسا الدور الأكبر في الحط من قدر البابوية في نظر الناس بجانب ما نالها من تحقير ، نتيجة للفساد الذي كان قد امتد إلى القصر البابوي نفسه كما خسرت البابوية البقية الباقية من الكرامة بسبب الطمع الشديد الذي اتسم به باباوات افينون .

وكانت أوروبا قد عانت الكثير في ظل بابوية العصور الوسطي ، وأن لها أن تتمرد ، وبدلاً من حاله الضياع والاتضاع والخضوع التي سادت عليها في فترة طفولتها السياسية بدأت تتململ إذا أحست أنها تخطت مرحله الطفولة إلى مرحله النضج الفكري .

وقبل أن نسترسل فيما أصاب البابوية لنا وقفه لذي الفرق الكبير بين أحوال الكنيسة الكاثوليكية في الغرب الأوروبي وبين أحوال كنيستنا في مصر في هذه الفترة ، ففي الوقت الذي انفجرت الكنيسة الأوربية من شده الشبع وتخمه ألا رصده المالية والنفوذ السياسي والروحي ، كانت كنيستنا تحت وطأة الضغط السياسي والاجتماعي عليها يأكلها الفقر وينهشها الاضطهاد ورغم كل هذا كانت تخرج من داخلها جذوا وعنقوا أباء حاذقون في العبادة لهم صلواتهم ولهم مؤلفاتهم في كل نواحي المعرفة الدينية والعلمية ، والتصقوا بالشعب وشجعوه علي ما كان يعانيه ، وقدموا له الزاد الروحي والتشجيع الأدبي .

انثجت الكنيسة والمجتمع المسيحي في مصر إنتاجا غزيراً من الروحيات وحافظت علي التراث أضافت إلية ، فسرت الكتاب والأهازيج والتراتيل الروحية ، فاضت الصحراء بالرهبان وزاد عدد المصلين في الكنائس ، وكان الضغط عليها جعلها تفرز زيت البركة الذي رصدته لنعيش ألان علي بركته . لم يكن هناك تأمل بين رجال الدين وبين الشعب ولم يبرح الكتاب المقدس أيدي العامة في حين حرم عليهم في أوروبا امتلاكه .

لم تكن كنيسة تقودها ملائكة وانما كان من بين قادتها من كانوا أصحاب سلبيات ولكن كان الشعب هو الواعي والحكم وكانت الاراخنة في الكنيسة يتعادلون في جب معهم لتسير الكنيسة في مجراها السليم .

أننا ندرس تاريخ الكنيسة في أوروبا للتشفي ولا كشف عوزه كنيسة شقيقة وانما لتكون مقياساً لنا لنعرف أين نحن من الحق ونعرف الحق والحق يحررنا . ثم كان أن تدهور مركز البابوية وتدهور واضحاً من القرن الرابع عشر نتيجة للأسر البابلي والانشقاق الديني الاكبروالمجامع الدينية التي وقفت من البابوية موقفاً عنيداً ، مما رتب عليه نمو الحركات الهرطقية وازدياد عدد اتباعها ، ولم تكن كل هذه الحركات التي ظهرت علي المسرح الأوروبي في القرن 14 جديدة وانما كان بعضها قديماً مثل الوالدنسيون الذين تم إخماد حركتهم في القرن 12 في جنوب فرنسا قرب الحدود الأسبانية ولكنهم ظلوا أقوياء في المناطق الواقعة شرقي نهر الرون حيث كان مركزهم الرئيسي حول مدينة ليون . وكذلك كان الالبيجنسنيين ينتشرون في غرب أوروبا مرة أخرى ، وظهرت هناك حركة أخرى شهدها غرب أوروبا في القرنين 14 ، 15 هي حركة السياطيين التي جاءت وليدة الذعر الذي أصاب الشعب عند انتشار الطاعون ، واعتقدوا أن هذا الوباء الأسود مظهر الغضب وانه لا سبيل إلى النجاة من ذلك الغضب ألا بتعذيب النفس وضرب الجسد بالسياط ، وقد بلغ هذا التعذيب درجة من التطرف جعلتهم يضربون أنفسهم بسياط ربطت أطرافها بقطع من الحديد معتقدين أن من يواظب علي هذه العملية 33 يوماً ونصف يوم فانه يضمن تطهير نفسه من جميع ما تعلق به من الأثام ، وهكذا انتشرت جماعة السياطيين رجالاً ونساء يوقعون علي أنفسهم هذا الجزاء ويقتلون كل من يعارضهم من اليهود أو رجال الكنيسة حتى صدر قرار بابوي بالقضاء عليهم عام 1249 وأن كان قد ظلت مستمرة حتى القرن 15 .

ولكن هل كانت الكنيسة التي سارت إلي طريق سدود بهذا الشكل لم يكن فيها من يصلحون من شانها ؟

لا بل كان فيها من حاولوا ذلك .

 

بعض المحاولات الإصلاحية والمصلحون :

 

1- برنارداف كليرفو 1090 - 1153

 

       ولد من أب تمتع بروح الفروسية وأم تقية ، فتميز بغيرته علي الدين فدخل أحد الأديرة وهو في الثانية والعشرين من عمره ، واخذ معه إلى الدير أخوته وثلاثين آخرين ، وقد أهلته صفاته علي أقر انه في حياة الزهد الورع ، فضلاً عن لنه اختار ديراً يعيش فيه الرهبان عيشة التقشف الصارم  فكانوا يكتفون بوجبة واحدة من الطعام كل يوم وفترة قصيرة للراحة والنوم ، وكانوا يقضون بقية يومهم في العبادة والتأمل ، وكان طعامهم خاليا من اللحوم والأسماك والبيض ، ألا أن كل هذا النظام الصارم لم يشبع رغبة برنارد ، فعرض علي نفسه نظاماً خاصاً اشد قوة وصرامة فاعتلت صحته. 

وبعد دخوله الدير بعامين وقع عليه الاختيار لكي يقوم هو علي رأس مجموعة من الرهبان لتأسيس دير جديد في واد يقع في منطقة نائية في شرق فرنسا وهو الذي حمل اسم " دير كليرفو " الذي حاز شهره فائقة لانه ضم أفاضل الرهبان . وقد تأثر كثيرون من الرهبان بشخصيه برنارد فدخلوا هذا الدير كي يكونوا علي مقربه منه ، وكان لحياته وعلاقاته الشخصية ومعاملاته وعظاته اليومية التي كان يلقيها في كنيسة الدير تأثير بالغ علي الرهبان المحيطة به .

ولم يقف تأثير برنارد عند حدود دير كليرفو ، ولكنه تخطي أسوار الدير حتى بلغ كل أوروبا ومع أن هذا الدير لم يكن يمتلك شيئاً من الممتلكات أو الأموال ألا انه حاز شهرة كبيرة وكان السر في ذلك هو شخصية رئيسة برنارد نفسه الذي تميز بحياته النقية وسيرته الطاهرة ، فعقده الناس يلتمسون منه النصح والهداية ، فقدم العون للجميع ، واستوي لديه الغني والفقير ، كما انه لم يحابي الوجهاء او يرهب السلطان ، فأرسل الرسائل إلى الباباوات وملك فرنسا يلومهم فيها علي عدم الاهتمام بواجباتهم والالتزام بمسئولياتهم في جرأة نادرة .

ولقوة تأثيره علي الناس أوكل إليه البابا أمر الدعوة للحمله الصلبية الثانية فكان لخطبه تأثير بالغ في كل من ألمانيا وفرنسا ، وكان الإمبراطور قد استقر راية علي عدم الاشتراك في تلك الحملة ، ولكنه ما أن سمع خطب برنارد حتى هب ووضع علي صدره شارة الصليب الحمراء وانضم إلى صفوف المقاتلين .

 

2- دومنيك 1170 – 1221

 

ولد في أسبانيا بعد وفاة برنارد بقليل ، وبعد الانتهاء من دراسته الجامعية سيم كاهناً ،  وفي الثلاثين من عمره قام بجولة في جنوب شرقي فرنسا ، وشهد الحرب الشرسة التي شنها الباباوات ضد ما أسموه هرطقة الالبين .

واقتنع دومنيك بان أسلوب الحوار والتعليم واعلان الحقائق الإيمانية هو الأسلوب الأمثل لمواجهه التعليم المنحرفة التي شعر بأنه يجب أن تضع الكنيسة حداً لها .

وطرح فكرة تكون مجموعة من الوعاظ تجوب البلاد طولا ً وعرضاً لتعليم الناس الأحوال الإيمانية ، لكن البابا انوسنت الثالث تردد في التصريح له بذلك ن ألا انه تمكن من الحصول من البابا هونوريوس الثالث سنه 1216 علي تصريح بتأسيس نظام رهباني هو ما عرف بالنظام الدومنيكاني ، وبدأ فوراً بالتنفيذ ، وقد أيده وانضم إلية عدد كبير من الشبان الذين رأوا أن الحاجة ماسة فعلاً لنشر التعليم الصحيح ولم تمض 4 سنوات علي بدء تنفيذ هذه الفكرة حتى كانت قد تأسست في مناطق مختلفة من أوربا أربعة بيوت تضم عدداً كبيراً من الرهبان الدومنيكان ، وسرعان ما انتشر عمل هؤلاء الرهبان الذين راحوا يعملون بغيرة وحماس شديدين .

وإحساسا منه بخطورة مهمة التعليم حاول دومنيك أن يستحيل إليه عددا من الجامعيين وقد تمكن بالفعل من إقناع عدد كبير منهم بالانضمام إلى قوافل العمل بهذا النظام .

وجعل شعار نظامه هذا كلباً يحمل مشعلاً مضيئاً ، وهذا الشعار مستمداً أيضا من اسمهم " دومنيى كينز"

وهو مع بعض التلاعب اللفظي يعني " طلاب الرب للحراسة "

باعتبارهم حراساً للكنيسة وحفظه للأيمان وحمل المشعل يشير إلى انهم يحملون مشعل الحق لإنارة الجنس البشري .

وفي أخر أيامه ابدي دزمنيك رغبته في الذهاب علي رأس بعثه تبشيرية تحمل الإنجيل إلى القبائل الوثنية في جنوب روسيا غير أن صحته لم تساعده علي تحقيق هذه الرغبة بنفسه فارسل من رجاله مجموعات إلى هناك .

وتوفي بعد ذلك بأربع سنوات مخلفاً وراءه جيشاً جراراً من الرهبان الذين انتشروا في العالم حاملين نور الإنجيل إلى كل مكان .

 

صفات هذا النظام :

 

تميز رهبان هذا النظام بسمو المعرفة والتعمق في العلم ، خرج بين صفوفهم رجال عظماء سجل التاريخ أسماءهم مثل توما الاكويني .

ومع هذا النظام الدومنيكاني كان قريباً من النظام الفرنسيسكاني ألا أن الدومنيكان كانوا وعاظاً متجولين ويجمعون التبرعات في تجوالهم لتنفيذ مشروعاتهم لاعتقادهم بان هذا الأسلوب اكثر نجاحاً بينما كان الفرنسيسكان يخدمون الناس وفي نفس الوقت يعملون عمل أيديهم للحصول منه علي حاجاتهم بعرق جبينهم .

 

3- توما الاكوينى 1224 – 1274

ولد في قرية اكوينو الواقعة بين روما ومونت كاسينو في سنه 1224 في اسرة كريمة ، وتلقي تعليمه الأول في دير سانت كاسينو ثم تم دراسته بعد ذلك في مدرسة نابولي .

ورغم انف أسرته انضم في عام 1243 إلى صفوف الدومنيكان الذين أرسلوه للعمل تحت رئاسة البرت اوف كولون الذي كان واحد من كبار الاساتذه في كولون ، وقد قضي مع هذا الأستاذ عده سنوات في كولون وباريس وفي عام 1257 حصل توما علي درجه الدكتواره .

وفي عام 1252 طلبوه ليكون معلما ً في باريس ، ومن ذلك التاريخ راح يدرس ويكتب الي أن توفي في عام 1274 وكان يومها في طريقه لحضور المجمع العام في مدينة ليون وقد عاش الاكويني حياة التقوي والورع في ظل النظام الدومنيكاني ، كما انه ساهم مساهمة نافعه في نشر المعرفة والتعاليم الدينية في عصر عنت فيه المعارف وكان متأثرا باراء ارسطو وأفكاره في علم المنطق ، تلك الأفكار وهي في القرن 12 م كانت مدخله الي دراسة الكتاب المقدس .

وكسائر اتباع النظام الدومنيكاني لم يعترف الاكويني بعقيدة الحبل بالعذراء بلا دنس التي كانت من أهم العقائد الأيمان الكاثوليكي وفي الجدل العقائدي الذي ثار بين الكنيستين الشرقية والغربية لعب هذا العالم الجليل دور كبيراً .

وقد اشتهر توما الاكويني بموسوعة اللاهوتية الكبيرة التي قسم فيها أبحاثه الي أقسام ثلاثة القسم الأول خصصه للإلهيات والقسم الثاني يدور البحث فيه حول الإنسان والقسم الثالث كان موضوعه هو شخص السيد المسيح كانسان واله معاً .

ففي الجزء الأول يتعرض الكلام عن : وجود الله ، طبيعته ، والله عنده هو المحرك الأعظم أو العله الأولى لجميع الأشياء ، فهو البداية والنهاية والمنتهي لكل شئ في الوجود .

وفي الجزء الثاني ، تحدث  عن الإنسان كمخلوق ساقط ، لكنه رغم كل هذا وفي وسعه أن يتمتع بالفداء بعد ذلك يتطرق لبحث السلوك الإنساني بفضائله ورذائله ، ثم يدرس موضوع الناموس والنعمة

بينما في الجزء الثالث يتحدث عن المسيح الفادى الذي فتح للإنسان طريق العودة الي الله وقد استخدم الاكويني اتساع معرفته بالكتب المقدسة في إثبات صحة العقائد الكنسية كما كتب شرحاً لبشائر الإنجيل ورسائل بولس الرسول استند فيه الي أقوال أباء الكنيسة .

وفي عام 1323 قرر البابا يوحنا 22 التصريح بتداول مؤلفاته الاكويني .

 

4- فرانسز الاسيسى 1182 – 1226

 

واحد من اعظم القادة الدينيين الذين كانوا فرسان العصور الوسطي في عالم المعرفة الروحية ، ولد في مدينة اسيس في عام 1182 وكان أبوه واحد من كبار تجار المنسوجات ، في منطقه وسط إيطاليا وكانت أمه فرنسية اخذ عنها حب الموسيقي والفناء ، وعلي الأخص أناشيد الفروسية التي كان بتغني بها الشعراء المتجولون كان اسمه الأصلي يوحنا برنادون ، أطلق عليه اسم فرانز ومعناه الرجل الفرنسي ربما لتعاطفه مع الجنس الفرنسي أو حبه للروايات الفرنسية .

وقد اشتهر في أول عهده بالإسراف في أنفاق المال ومنافسة أبناء النبلاء في الاناقه وحب الملبس الفاخر لكنه منذ البداية كان محباً للفقراء والمساكين ويمكن انه كان ذات يوم مشغولاً ببيع المنسوجات لاحد تجار المدينة فمر به شحاذ يطلب إحسانا فلما فرغ من البيع كان الشحاذ قد مضي وتركة فما كان من فرانز ألا انه ترك تجارته وبضاعته وراح يركض في الطرقات بحثاً عن هذا الشحاذ وما أن وجده حتى أعطاه مالاً كثيراً ولما كبر فرانز اتجرط في سلك الجيش وانضم الي جماعات المحاربين الذين كانوا منتشرين في مدينه اسيس فكان أشجع فرسان عصره

وفي شبابه أصيب بمرض شديد وبينما هو يتألم في فراشة سرح بفكره في السيد المسيح وانتابه نشاط ديني جعله ينشغل بالله ويتجه الي إظهار نشاط كبير في خدمه المحتاجين وبدلا  من الاتجاه الي أشبه ميوله نحو الفروسية وجه كل اهتمامه نحو المنبوذين والبؤساء وبالأخص المصابين بالبرص عندما كان الناس يأنفون منهم ويقال لن كان ذات مرة يمتطي جواده واثناء مروره في أحد الشوارع قابل آنسانا ابرصا ، ففكر في أن يرجع من الطريق الأخر ولا يري الإنسان ، ألا انه عاد الي نفسه ليقاوم هذا ألا حساس وقفز بحصانه الي الإمام وما أن اقترب من هذا الأبرص حتى نزل من ظهر حصانه وركض نحو الرجل وقدم له شيئاً من المال ولكنه أحس بأنه لم يفعل شيئاً يستحق الذكر فعاد الي الرجل واحتضنه وقبله

وذهب بعد ذلك الي مستشفي للبرص في اسيس واشترك في إسعاف نزلائها وتعامل معهم لامراض يأنف منهم الناس ولكن كاخوة في المسيح وكان غريباً في تلك الأيام أن يهتم الناس بالبرص أو يظهروا لهم الحنان .

كذلك اظهر فرانسز اهتماماً عظيماً بتعمير بعض الكنائس القديمة المهدمة والمهجورة وهو بهذه الإعمال كان يعبر عما يعتمل في نفسه من شوق غامر ورغبه عارمة في خدمه الله .

وقد غضب عليه أبوه وحاول أن يمنعه من هذه الخدمه التي كان قد كرس نفسه لها ولكنه فشل في منعه واستمر في خدمته فاعتبره أبوه عاقا أو أصابه مس من الجنون

ولكن فرانسز أعلن هذه في مال أبيه وممتلكاته وراح يجول العالم كرجل فقير .

توجه بعد ذلك الي إحدى الكنائس وفي أثناء خدمته سمع الكاهن يردد الجزء من الإصحاح العاشر من بشارة القديس متي البشير والخاص بإرسال يسوع تلاميذه الي العالم لكي يكرزوا ببشارة الملكوت فاعتبرها فرانسز دعوه خاصة موجهه إليه من الرب رأسا فأطاعها في الحال .

ومع انه كان علمانياُ ألا انه راح يعظ في المدينة بطريقه فعاله ومؤثرة لانه كان يقدم للناس المسيحية في بساطتها وكان الفعل الأكبر في تأثيره علي سامعيه راجعاً الي إخلاصه ومحبته ليسوع خاصة عندما رآه الناس وقد تخلي عن كل اراداته وامواله ومقتنياته وملابسه الانيقه الفاخرة ، حتى أصدقاءه هجرهم وراح يتجول مرتدياً جلبابا ً من الصوف الأحمر وحول حقوبه منطقه من جلد ورغم هذا الحرمان الذي فرضه علي نفسه لم ينقصه شئ من فرحه وغبطته وخفه روحه هذه الخصال كلها جذبت الناس إليه والي طريقته في خدمه السيد المسيح .

 

كثافة خدمته :

 

انضم إلية اثنان من آهل بلدته وبعد فترة قصيرة التف حوله عدد من الشبان الذين تنافسوا علي الخدمه ومعزفه الرب يسوع وكان أحدهم تاجراً باع كل ما يملك أعطاه للفقراء واختار أن يحيا حياة الفقر الاختياري ، التي فرضها فرانسز علي نفسه وبعد ذلك راح يفكر في تكوين أخواته يحيا أفرادها معا ويكرسون دواتهم لخدمه أخواتهم الإنسانية باسم المسيح وقد بدأ تكوين الاخويه الفرنسيسكانية في عام 1209 أو 1210 بعد أن حصل فرانسز من البابا انوسنت الثالث علي موافقته المبدأية علي نظام جماعته .

ومنذ البداية أعلن فرانسز لاتباعه انه لا يريدهم أن يعتزلوا في الدير ولا انهم يركزوا اهتمامهم علي خلاص أنفسهم فقط ولكن عليهم أن يذيعوا بين الناس محبه المسيح فراحوا يتجولون من قريه إلى أخرى ومن مدينه إلى مدينه يذيعون الأنباء السارة ( الإنجيل ) بين الناس مقتدين بسيدهم الذي كان يجول يصنع خيراً .

فخدموا الفلاحين في قراهم والتجار في ساحات أسواقهم ، وسكان المدن في مجتماعتهم ، ووجهوا عناية خاصة للمرضي بالبرص ولم يكن مصرحاً للراهب الفرنسيسكاني أن يمتلك اكثر من عباءة ورداء كتاب مقدس وقلايه في دير وكانوا يكرهون المال كراهية شديدة ربما كان ذلك بسبب الضربه القاصمه التي أصابت رجال الدين في تلك الأيام ورد فعل لها بسبب حبهم للمال ويحكي أن واحداً من هؤلاء الرهبان جاء مرة ومعه قطعه من النقود فما أن راها القديس فرانسز معه حتى أخذها منه ، وبعد أن نظر أليها بازدراء القي في روث البهائم .

كان فرانسز ورفاقه يسيرون جماعه معاً مهللين مترنمين بمحبة الله ، فكانوا يجذبون الناس إليهم وعرفوا بين الناس برجال الله الفرحين ، وقد استمدوا هذا الفرح من رئيسهم الذي كان دائماً هكذا .

في ذلك الوقت كان المسيحيون منشغلين بالحروب الصلبيه ضد العالم الإسلامي ، بسبب وضع يده علي الأماكن المقدسة المسيحية وفي غمره هذا النزاع نسيي المسيحيون واجبات الكنيسة كما نسوا أن المسيح يحب ولا يكره بينما لجاوأ هم إلى الاقتنال .

لكن فرانسز نادي بوسيلة أخرى غير هذه وغامر بالوقوف في وجه هذا التيار الجارف . وكان يقول

" ماذا نجني من وراء قهر السلطان ؟ ولماذا لا نكسبه بالمحبة بدلاً من القتال ؟ "

وفي عام 1218 أبحر مع جماعة من رفاقه حاملين دعوة الحب والسلام فنزل إلى مصر وانضم إلى جيش الصلبين وكانوا يومئذ في حملتهم الخامسة وذات يوم تسلل خفية . إلى معسكر المسلمين هو وأخ أخر له ، وكان الاثنان تعلمان تماما مدي خطورة هذه المغامرة لكنها تشجيعاً وتقدماً في هدوء وفي أثناء سيرهما كانا يردد أن كلمات المزمور الثالث والعشرين " الرب راعي فلا يعوزني شئ ..." وفجاه وقعا في اسر العرب فقيدوهما بغلظه وراحوا يوقفونها أمام ضابط الجيش واحد ابعد الأخر بدعوى انهما جاسوسين وباستجوابهما أجاب فرانسز لم يرسلنا أحد من البشر لكن الله هو الذي أرسلنا لكي نحمل إليكم رسالة محبه بدل هذه الحرب التي يشنها عليكم بنو قومنا "

فتفرس فيهم السلطان بهوتا واستمع إلى أقواله باحترام وانتباه لانه اعجب بشجاعته وغيرته ومغامرته في التسلل إلى معسكرات أعدائه واستبقاه أياما في ضيافته واحسن معاملته وبعد أحاديث طويلة دارت بينه وبين السلطان عاد فرانسز مشيعاً بالحفاوة والإكرام بعد أن اظهرللامير العربي جانباً من جوانب محبه المسيح طفي علي مظاهر القتال العنيف الذي كان محتدماً آنذاك بين المسيحية والإسلام .

 

انتشار النظام الفرنسيسكانى :

 

 سرعان ما انتشر النظام الفرنسيكاني أو( الاخوة الأصاغر ) إذ حذا حذو فرانسز أخوه كثيرون من أغنياء التجار وعاشوا حياه الزهد والتقشف ، وقضوا أوقاتهم في الصلاه والتعبد والخدمه ، والعناية بالمرضي وبخاصه البرص واشتغلوا بأيديهم في الحقول والمزارع لكسب قوتهم بعرق جبينهم ، وعندما لا يجدوا عملاً كانوا يشحذون ، ومن ثم سموا بالرهبان الشحاذون "

وعندما انعقد مؤتمرهم السنوي سنه 1217 كانت لهم فروع في ألمانيا وهنغاريا وأسبانيا وبدأ يرسلون الإرساليات والبعوث التبشيرية إلى المناطق الوثنية غير مبالين بما ينتظرهم هناك من أخطار ، الأمر الذي أدي إلى اعتراض أحد الكرادله علي هذا النوع من الخدمة ، فقال له فرانسز " أتظن أن الله قد سمح بقيام هذا النظام من اجل الخدمه في بلادنا فقط ؟ ان الله قد دعانا للخدمة بين الناس من جميع الأجناس لأنها من حياتهم الروحية وقيادتهم إلى الخلاص .

وفي عام 1220 عاد فرانسز الاسيس من رحلته التي قام بها إلى الشرق ألمه كثيراً أن يري المسئولية عن الكنيسة الذين أوكل إليهم أمر الأشراف علي الاخوة قد ابتعدوا بالنظام عن ثوابته الأصلية فقد كان يدعو اتباعه إلى التجرد الكامل وعدم امتلاك شيء ما كما انه كان يري أن الأديرة التابعة لنظامه يجب أن تتميز عن غيرها من الأديرة التي كانت منتشرة في ذلك العهد ، والتي كانت تملك إقطاعيات واسعة ، فهو كان يري في حياته وحياة تابعيه حياة السيد المسيح الذي لم يكن له أين يسند رأسه وكان مقتنعا تماما بان عدم امتلاك شيء من حطام الدنيا هو السبيل إلى التحرر من هموم العالم لانه لا يستطيع إنسان أن يخدم سيدين .

فقد رأي عند عودته هذه أن بعضاً من أخواته بدأ يمتلك بعض المقتنيات كما أحس انه لم يعد في مقدوره الاستمرار في الإشراف علي هذا النظام وربما يكون قد اقتنع كذلك بان الرهبان لا يستطعون أن يدبروا أمر أنفسهم بأنفسهم خاصة وان أعدادهم كانت قد زادت زيادة كبيرة ، فطلب من البابا أن يتولي الأشراف علي النظام الفرنسيسكاني كله واستعفي هو من اراداته .

وشيئاً فشيئاً عاد هذا النظام كغيره من الانظمه الرهبانية الأخرى إلى الضعف ومات فرانسز الاسيس وهو في الخامسة والأربعين من عمره بعد أن حاز شهره كبيرة .

 

اثار الفرنسيسكان فى تلك الفترة :

 

لعبوا دواراً كبيراً في نشر العلم فحيثما ذهبوا انشاوا المدارس واهتموا بالتعليم ومن الانتقادات التي وجهت إليهم انهم بدلا من تخرج صفوف من علماء الكتاب المقدس والقادة الدنيين وجهوا جهودهم كلها إلى إنشاء المدارس ونشر العلم إلا وان هؤلاء النقاد فاتهم أن نشر العلم بين الناس خدمه يدخل الدين من خلالها .

نجح الفرنسيسكان كذلك في نشر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في بلاد الشرق عندما نجحت إحدى الحملات الصلبية في إقامة مملكه لاتينية وبطريركية لاتينية ، كما لعبوا دوراً أيضا عندما اكتسح التتار أقطار أوروبا فحصلوا من المغول علي تصريح بتقديم خدماتهم بين الناس وحيث مارس الفرنسيسكان خدماتهم كانت هذه الخدمات تؤدي إلى إنعاش الحياة الدينية بين الناس لهذا تعددت طلبات أر سال بعوث إليهم لتقديم رسالة الإنجيل وخدمات المحبة وقد عاصر ظهور الفرنسيسكان ظهور النظام الدومنيكاني وقد تأثر كل من النظامين بالأخر واظهر كل منهما غيره عظيمة في تقديم المواعظ للناس ومما هو جدير بالذكر أن الفرنسيسكان والدومينيكان لعبوا دوراً كبيراً في مسانده البابوية ومعاونتها وتحقيق الصورة التي طالما راودت خيال البابا انوسنت الثالث .

ومن الفرنسيسكان ذهب مرسلون كثيرون إلى إنحاء العالم ومازال نشاطهم واضح بين ظهراني الدنيا .

 

رايموندمل 1235 – 1315

ولد في جزيرة ماجوركا عام 1235 واستحق أن يلقب " بطل الحروب الصلبية " لانه اخذ خطا متميزاً فيها فان كان فرسان الحملات الصلبيه قد تعاملوا مع أهل الشرق بشريعة العين بالعين وتسلحوا في حروبهم بالسيوف والرماح ، كان رايموند متسلحاً بالإنجيل والمحبة والسماح وكان ميدانه بلاد شمال أفريقيا .

 

حياة الشعب فى هذه الفترة

كان هناك فرق كبير بين مستوي حياة القادة أفعال برنارد ودومنيك وفرانسز الاسيس . وبين عامة الشعب الذين تشعب نفوسهم بروح الخوف كنتيجة حتمية لما استقر في قلوبهم في ضوء نظام العبادة الذي كان شائعاً في ضوء العقوبات الكنيسية وسيف الحرم ومحاكمه التفتيش واهوالها .

وكان الشعب ينظر إلى الله كديان قاسي شديد البطش والعقاب لا سبيل لارضائه غير ممارسه الأسرار أطاعه التعاليم التي يتلقونها عن أباء اعترافهم ، وسيطرت علي عقول العامة الخرافات والأوهام ولعل مبعث هذا كان ممارسه طقوس الكنيسة علي غير علم أو يقين ، خاصة وان معظمهم كانوا جهال وفقراء .

لم يكن الناس يعرفون شيئاً اسمه محبة الله أو الثقة فيه ، لهذا كانوا يواظبون علي الممارسات الكنيسية لا عن رغبة بل عن رهبه وتفاديا لعقاب يصبه الله علي المتهاونين ، كل هذا كان حال الناس بشكل عام في كل بلاد أوروبا وخصوصاً غربها عدا ألمانيا حيث تميز الناس بالتقوى وإطاعة الإنجيل .

ولم يكن هذا بسبب دور متميز قامت به الكنيسة هناك لكن لان الألمان أنفسهم كانوا مدققين في حياتهم الخاصة ، تشهد بذلك الترانيم التي كانوا ينشدونها في بيوتهم وكنائسهم وكان الأباء يعلمون أبناءهم الوصايا العشر والصلاة الربانية وقانون الأيمان ، كما كانوا يعلمونهم بعض الصلوات .

كما كانوا يعلمونهم كذلك أن الله هو مانح كل الخيرات ، وان كل عطية صالحه وموهبة تامة هي من فوق نازله من عند أبى الأنوار وان الصلاة هي السبيل الوحيد لتمتعهم بالعناية الإلهية وحصولهم علي العطايا والمواهب السماوية .

إلا انه تجدر الملاحظة إلى انه لايجب أن تأخذ فترة العصور الوسطي علي إطلاقها أنها كانت فترة خضوع ابكم من جميع الناس وتسليماً مطلقاً بكل ما نادت به الكنيسة فقد سجلت التواريخ أسماء الأشخاص عارضوا حركات مقاومة لهذه الاتجاهات نذكر منها :

 

 

بطرس والدو

أحد أعضاء مدينه ليون ، وبينما كان حاضراً أحد اجتماعات مجلس المدينة توفي فجأة صديق له من أعضاء المجلس فاثر فيه هذا الحادث تأثيرا عميقاً وراح يفكر في انه ربما وقع له مثل ما دفع لزميله .

وفي عام 1173 أثار انتباهه شاعر موسيقي كان يتجول في شوارع المدينة وهو ينشد اجزاء من ترنيمة أحد القديسين ، فاخذ الشاعر معه إلى منزله لكي يسمع منه المقطوعة وفي اليوم التالي ، قصد واحد من الكهنة المرموقين وسأله عن الطريقة التي يستطيع بها أن ينال القداسة العملية فاجابه الكاهن : " أن أردت أن تكون كاملاً أذهب بع كل ما عندك أعطه للفقراء "

وكان الدو مستعداً لان يفعل أي شيء يعينه علي بلوغ غايته ، لذلك لم يترددوا ويتوان ومضي ونفذ ما أشار به الكاهن وباع كل ما عنده وقضي ثلاثة أيام من كل أسبوع يطعم فيها الفقراء .

واودع ابنتيه في دير العذارى وقد تفرغ لخدمه الله ودعا مواطنيه أن يحذوا حذوه ، فانزعجت زوجته لهذا التحول في تفكيره وتصرفاته ولجأت إلى الأسقف متوسلة إليه أن يمنعه من تنفيذ فكرته : لكنه أصر علي قراره ولم تنفع معه محاولاتها .

وانضم إليه عدد كبير من مواطنيه أطلقوا علي أنفسهم اسم ( فقراء ليون ) وتصادف أن اجتاح البلاد قحط شديد وكانت هذه المجاعة فرصه سانحة لوالدو ورفاقه لإظهار محبتهم لمواطنيهم وتضحيتهم من أجلهم .

في أول الأمر كانوا والدوا ورفاقه يصلون لاختيار القداسه في حياتهم الشخصية ، وكانت الخدمه والتضحية هي طريقهم لنوال هذا الاختيار ، لكن هالهم الفساد والتفتيش بين رجال الدين ، فقررا العمل لعلاج هذا الفساد .

وللوصول إلى معرفة اعمق للتعاليم الدينية قررا والدو أن يقوم بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة القومية ،وبمعرفة ثلاثة من الدارسين تمكن والدو من أعداد ترجمه العهد الجديد وسفر المزامير واجزاء أخري من أسفار العهد القديم ، وفي الوقت عينه قام والدو بجمع مجموعه كبيرة من أقوال الأباء وتعليقاتهم علي بعض اجزاء من الكتاب المقدس وخصوصاً أقوال الأباء : امبروسبوس وجيروم واغسطينوس والبابا اغريغوريوس الأول .

وراح والدوا ورفاقه يجولون الشوارع حاملين في أيديهم الكتب التي انجزوها وساروا من شارع إلى شارع ومن مدينه إلى مدينه يقدمون للناس رسالة الإنجيل وكانت خدمتهم ناجحة وبنفس الحماس الذي اندفع به السبعون رسولاً حاملين البشارة السارة إلى كل العالم القديم انطلق ( فقراء ليون ) اثنين اثنين في الأسواق ويفسرون الكتاب المقدس للناس في الشوارع وفي الطرقات ، واما الكنائس فكان قد اغلق معظمها في وجوههم وكان الكهنة يحاولون عرقله مساعيهم ويضعون العقبات في طريقهم ، وقد اصدر أسقف ليون قرار بمنع والدو ورفاقه من مباشرة خدمتهم .

وفي عام 1179 توجه اثنان من رفاقه والدوا إلى روما يشكون إلى البابا من المعاملة السيئة التي يلقونها علي نشاطهم ويرجونه أن يسمح لهم بالعمل والخدمه دون معوقات وقد اخذ معهما نسخه من ترجمه الكتاب المقدس التي كان قد أعدها زعيمهم ، ورحب البابا بهما وعبر لهما عن تقديره لهم وتضحياتهم .في هذا الوقت كان ( مجمع لاتيران) منعقداً ، وكان من بين المسائل التي أدرجت في جدول أعماله موضوع إصلاح أحوال الكنيسة ، وقدم البابا لهيئة المجمع التماس (والدو) الذي كان يطلب فيه الترخيص له ولرفاقه بمباشرة نشاطهم ، فقرر المجمع أحاله الالتماس إلى لجنه تتولى فحص أعمال جماعه ( فقراء ليون ) أو أصدقائه والدوا الذين اصبحوا يعرفون باسم ( الوالديين)

وكان من بين أعضاء اللجنة شخص إنجليزي اسمه ( والترمايس ) ، سجل عده ملاحظات عن هذه الجماعة منها انه ليس لهم مقر ثابت لكنهم يتنقلون من مكان إلى أخر ، حفاه الإقدام يعملون اثنين اثنين ، لا يملكون شيئاً ما يعيشون علي نظام الكنيسة الأولى ، كل شيء بينهم مشتركاً ، وهم علمانيون لم يحصلوا علي شيء من العلم ولا يجب أن يضيع المجمع وقته في الانشغال بطلبهم .

ورغم ما سجله هذا الرجل عنهم ألا انه نسي مدي تأثيرهم علي الشعب رغم ( انهم بداو بداية بسيطة ، لكن علينا ألا ننسي انهم قد يصبحون في المستقبل قوة لا يستهان بها ، وربما يطردوننا من البيت لو أننا سمحنا لهم بدخوله )

ولذلك سمح البابا لوالدو ولرفاقه ممارسه نشاطهم ، ولكن تحت أشراف الاكليروس ، إذ رأي انه من الحكمة أن تخمد الكنيسة هذه الحماسة الدينية ، وكان إلى هذه اللحظة والدو ورفاقه من الكنيسة الكاثوليكية ، ويعملون من داخلها ،

فوالدو لم ينسي فضل الكنيسة الكاثوليكية علية فكاهن كاثوليكي هو الذي هداه إلى معرفة الله وأيمانه لإيداع ابنتيه في الدير ، وبفضلها تعمق في دراسة الإنجيل فلم يحاول مقاومة سلطانها ، واستمر فترة طويلة داخل الكنيسة في حدود ما سمح له البابا في مجمع لاتران .

ألا أن الكهنة هم الذين ضايقوه هو ورفاقه ، وراحوا يضعون العقبات في طريقه ولذلك أعلن (الوالديون )  عدم الاعتراف بسلطان الكنيسة الذي يمثله هؤلاء الكهنة ، أعلنوه انه حيث روح الرب هناك تكون الحرية ، وعندما كان يطلب منهم الامتناع عن الوعظ كان جوابهم بقول بطرس ويوحنا الأعضاء السهندريم ( أن كان حقا أمام الله تشجيع لكم اكثر من الله فاحكموا انتم ) (أع 4: 19)

ومن هنا اعتبر الوالديون متمردون علي السلطان الرسولي : وخارجين علي القانون الكنسي واصبحوا اعرضه لصدور الحكم بتكفيرهم ، وتوقيع افس العقوبات عليهم ألا انهم لم يكترثوا .

فتقرر بعد ذلك طردهم وحرمهم من عضويه الكنيسة وذلك في مجمع فيردنا سنه 1184 واصدر قراراته ضدهم وضد عدد من الجماعات الأخرى التي كانت قد ظهرت آنذاك وتضمن القرار نداء يمنع الشعب من قبول وعظهم أو الاستماع إلى تعاليمهم .

أما الوالديون فظلوا ينشرون تعاليمهم في أقاليم في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا حيث لقيت تعاليم أذانا صاغيه كثيرة لدرجه أن كان الناس يعتبرون تعاليم إنجيلا جديداً فالتفت حولهم شعوب كثيرة رغم مقاومة السلطات المدنية ايضالهم إرضاء لخاطر رجال الاكليروس ، لدرجه أن احرق منهم كثيرون وهرب والدو إلى بوهيميا ليكون بعيداً عن يد البابا حيث  أسس هناك كتيبه كبيرة لها شعب كثير وتزايد اتباع والدو ، حتى عام 1198 وتحت تأثير أسقف نورين قام إمبراطور ألمانيا ( اوتو الرابع ) بإصدار قرار إمبراطوري بالقضاء علي الوالدين ، فتعرضوا للاضطهاد الشديد حتى نهاية القرن السابع عشر .

 

 

بطرس دى برويز :

وهو أول كاهن بدأ ينادي بتعاليم جديدة في القرن الثاني عشر وكان قد قرأ الإنجيل بإمعان ، فاقتنع اقتناعاً تاماً بفكره عباده الله بالروح والحق ، وكان من رأيه أيضا أن المعمودية لا تصح قبل الأيمان لذلك رفض معمودية الأطفال ونادي بإعادة تعميد المؤمنين الذين سبق تعميدهم أطفال " وقال بان ما جري لهم في الصغر ليس معمودية علي الإطلاق لذا اسمي هذا المذهب ( مذهب تجديد المعمودية )

وقد اعترض بطرس علي ذبيحة القداس التي كانت الدعامة الرئيسية التي يقدم عليها أهم طقس في الكنيسة ، كما هاجم بعنف الصدقات والصلوات وكل شيء مما كان يقدم من اجل الموتى والراحلين وكان يقول ( إن فرصه الاستفادة من وسائط النعمة تظل متاحة للإنسان طالما بقي في الحياة ،أما بعد الموت فلا شيء يغير من وصفه كما اعترض علي مباني الكنائس الفخمة بقوله ( ليس هناك ما يدعو للتفنن في إقامة المباني الفخمة الضخمة ، أن الله روح ، ولا يهمه المظهر في شيء ، وكل ما يهمه هو القلب النقي والروح المنسحق ) ( أن الإنسان يستطيع أن يعبد الله في أي مكان في سوق أو دكان ، وهو يصغي لنا ويكون معنا هناك تماما كما لو كنا في كنيسة )

وبدا بطرس خدمته في موطنه  لكن أهلها طردوه من هناك ، وظل عشرون عاما يجوب مناطق جاسكوني ولا نجدك وبروفنس ن يعظ بحرارة وينتقد العبادة المظهرية التي تعتمد علي مخاطبة الحواس فقط ، وانضم إلية كثيرون من أهالي بروفنس وتعمدوا علي يديه مره ثانية ، وبعد ذلك اصبحوا ينقذون الكهنة .

1-   واضح هنا كيف كان الجهل يخيم حتى علي الكهنة فلما درس الإنجيل درسه هو من وجهة نظره فخرج بهذه الاراء المتطرفة التي مهدت لاراء البروتستانت فيما بعد وهذه نتيجة أخطاء الكاثوليك .

واعتدوا علي الكنائس وهدموا المذابح واحرقوا الصلبان .

وفي عام 1224 واثناء وجوده في لايخدك وبتحريض من الكهنة قبضوا عليه ووضعوه فوق خازوق أشعلوا فيه النيران .

 

 

هنرى دى لوزان : من دير كلونى

كان بعد حمله بطرس دي برويز ان قام رئيس دير كلوني بحمله نشطه لاعادة الأمور إلى نصابها في الكنائس التي دمرها اتباع بطرس وذلك عن طريق نشر تعاليم الكنيسة وعقائدها بقصد إعادة المسيحيين إلى حظيرة الأيمان الكاثوليكي وكان يركز جهده علي هذا اكثر من العمل علي اقتلاع المعترضين من تربه الكنيسة .

وفي هذا الوقت كان هناك راهب من دير كلوني يدرس الإنجيل ووصل إلى الاقتناع بأن المسيحية تتطلب القيام بعمل إيجابي لخدمه الشعب ، فقرر أن يودع السلبية والانزواء ، وخرج من الدير وراح يقدم خدمته للناس الذين كانت بهم حاجه ماسة وشديدة إلى مثل هذه الخدمه التي لم يفطن أحد إلى تقديمها إليهم وكان هذا الراهب النشط هو : هنري دي لوزان :

ترك هذا الرجل الدير دون استئذان وجعل يتنقل من بيت لبيت في لوزان يعظ الناس ويعلمهم الحياة الروحية بحسب تصوره الشخصي لهذه الحياة في ضوء ما قراه في الإنجيل وانتقل من لوزان إلى وسط فرنسا وتبعه كثيرون وكونوا جماعه رسوليه كان هو رئيسها .

ولم يكن متطرفاً لبطرس دي برويز ، الذي رفض وجود أي رمز في الكنيسة . حتى ولو كان هذا الرمز هو الصليب ، لكنه حيثما ذهب كان بتقديمه يحمل صليباً كدعوة موجهه للناس كي يحملوا صليب المسيح .

وبداية كان وعظه يركز علي وجوب التوبة وعدم جدوي الحياة التي تخلو من ثمر الأيمان ، لكنه لم يستمر هكذا وانما كان في عظاته بعد ذلك يتطرق إلى تحذير الناس من الكهنة ذوي الميول السيئة والدينونة ، معلمنا أن هؤلاء بسيرتهم وقدرتهم السيئة هذه وتعاليم وانما يقودون الناس إلى حياة الشر ، كما انتقد بشده الرؤساء الدينية لانهم لا يقومون هؤلاء الكهنة الأشرار ويقدموهم إلى محاكمه تأديب كنيسية .

وقد أعلن هنري الرابع تأييده للرهبان المصلحين في مطالبتهم بضرورة عودة الاكليروس إلى حياة العزوبة وعدم الزواج .

وكان هنري في حد ذاته ملفتاً للنظر لانه كان شاباً قوي البنيان حليق اللحية قصير الشعر حافي القدمين يرتدي ثياباً بالية في برد الشتاء القارس وكان يعيش في الهواء الطلق علي التلال وتحت الأشجار ، وكان يقدم معظم خدماته للفلاحين البسطاء . محاولاً ان يقدم لهم خدمه الإنجيل ، فدعوه ( خادم الله العظيم ) وتقدموا أليه معترفين بخطاياهم وتعرية بعدم جدوي الأساليب التي كانوا يلجأون أليها من قبل للحصول علي غفران خطاياهم .

وهذا يدل علي حاله الضياع الديني  والروحي التي عاشها شعب العصور الوسطي لان الباباوات انشغلوا عنهم بحروبهم ضد الإمبراطور من اجل الجاه والسلطه والمال والاساقفه من اجل الإقطاع والرفاهية وغاب الشعب من حسابهم فتلمس هذا الشعب المنكوداي قبس من نور يسير أليه ، ولكن لا يلبث أن يقودهم هذا القيس إلى الجهل آخر لان هو لم يدرس ولم يفهم ما يقوله الروح للكنائس وحدث في يوم أربعاء أيوب من عام 1116 كان اثنان من تلاميذ هنري يسيران في إحدى المدن الرئيسية بمقاطعة ( مين) إيطاليا يسألان الأهالي عما إذا كان ممكناً أن يأتي معلمها هنري لزيارة مدينتهم ليقدم لهم بعض المواعظ ، لان شهرته كانت تسبقة إلى هناك استقبلها الأهالي استقبالاً حافلاً ورحبوا بالفكرة ، ولم تكن الكنيسة قد لصدرت أي حكم ضد هنري ورفاقه بعد .

عندما بدأ هنري رحلته إلى روما طلب الأسقف من رئيس الأساقفة أن يرخص له بتقديم مواعظ هناك وكانت عظاته تجذب الناس لانهم لم يسمعوا مواعظ من قبل فالتف حوله الكهنة الشبان وعامة الشعب وينما كان يذهب كانت الناس تتبعه وهذا بعكس الإهمال جانب الكنيسة للشعب مما آثار حفيظة كبار رجال الاكليروس ألا أن الجمهور لم يأبه بهم وكرد فعل لموقفهم المعارض لهنري قاطع الناس الكنائس ووجهوا النقد إلى رجال الدين لإهمالهم لهم علي ضوء ما سمعوه من هنري فلجا الكهنة إلى السلطات المدنية لحماتهم من غضب الجماهير ثم أرسلوا لهنري خطايا يتهمونه فيه بتجاوز حدود الرخصة الممنوحة له وان خرج علي تعاليم الكنيسة وحاولوا إلصاق تهمه الهرطقة به . والعمل علي أحداث انقسام في صفوف الكنيسة وانذروه بأنه أن لم يمتنع عن الوعظ في أي مكان ايبارشية روما فانه بعرض نفسه للحكم بالفصل من عضوية الكنيسة ألا انه لم يهتم .

وكان الناس يعتبرونه مرشدهم الروحي واندفعوا يقدمون له الهدايا من الفضه والذهب إعلانا عن تأييدهم لموقفة وتشجيعاً له علي عدم الصمود في مواجهه قادة الكنيسة ولكي يكون هذه التقدميات مصرفا ماليا له لسد حاجته هو ورفاقه إذا ما نفذت الكنيسة تهديداتها وحكمت بحرمة .

وقد وجد هلدبرت أسقف المنطقه التي كان هنري يبشر فيها ويعظ أن الشعور قد اصبح معبأ ضده بسبب موقفه من هنري ، فلم يسقبله الناس بمثل ما كانوا يستقبلوه من قبل بل قالوا له ( لقد اصبح لنا ألان كاهن آخر افضل واعظم منك سلطاناً ، وكان سبب كره رجال الدين لهنري هو خوفهم من انه سيكشف أخطاءهم أمام الشعب ولم يشا هلدبرت أن يستخدم سلطانه الكهنوتي ضد هنري وتعاليمة لانه وجد انه لن يجني من مراء هذا سوي الفشل نظر الحب الشعب لهنري ، ولذلك التقي هذا الأسقف بهنري لقاء خاصة وطلب منه أن يترك المدينة إلى أي مكان آخر فترك هنري البلده وذهب إلى الجنوب في المنطقة التي كانت ميداناً لنشاط بطرس دي برويز فاعتبره رئيس دير كلوني خليفة بطرس هذا فقرر احتجازه في دير كليرفو تحت أشراف برنارد رئيس الدير الذي أطلق سراحه بعد فترة قصيرة .

عاد هنري إلى جنوب فرنسا وكان يعظ في المناطق المحيطة بتولوز والبي ،وحيث كانت تعيش جماعه كبيرة وقويه من المعارضين للكنيسة الكاثوليكية ، وكانوا تحت حماية حكام تلك الاقاليم .

وظل هنري يباشر نشاطه بنجاح كبير لمدة عشرة سنوات ، وإذ لاحظ رئيس دير كليرفو مدي قوة هذه الجماعة وتأثير هنري عليها طالب حكام تلك المناطق بوضع حد لتلك التعاليم المخالفة لتعاليم الكنيسة ن خاصة وان الناس هناك كانوا قد هجروا الكنائس وامتنعوا عن العباده فيها وممارسة طقوسها وراح رئيس الدير يجوب بنفسه تلك الاقاليم يقدم للناس تعاليم الكنيسة ويقال أن برنارد أحرز نجاحاً كبيراً في إعادة الكثير إلى الحظيرة .

بعد ذلك القي القبض مرة أخرى علي هنري وكبل بالسلاسل وقدم للمحاكمة في عام 1148 واصدر المجمع الذي تولي محاكمته حكماً باعدا مه ( لاحظ كيف أن المجمع يحكم بالإعدام ) لكن شمشون رئيس الاساقفه توسط له وطلب تخفيف الحكم ، ولعله يثوب واستبدل الحكم بالسجن مدي الحياة حيث مات فيه .

 

 

الألبيون :

بعد إحراق بطرس دي برويز والقاء القبض علي هنري دي لوزان اصبح اتباعهما ابتداء من منتصف القرن الثاني عشر يعرفون باسم الالبين نسبة إلى مدينة في لايخدك اسمها ( البي ) تقع علي بعد 41 ميلاً من تولوز جنوباً .

ويحتمل أن يكون أعضاء هذه الجماعات قد جاءوا من الشرق وكانوا جماعات متفرقة جمع بينهما موقفها الناقد لسلبيات رجال الاكليروس الكاثوليكي وكانت أعداءهم تتزايد بشكل مستمر ، وعقائدهم كانت تشابه عقائد كانت تشابه عقائد الدوسيتين الذين كانوا يمنعون الزواج ، ولا يعترفون بالعهد الجديد .

وفي عام 1139 حكم مجمع لاتيران الثاني بأنهم هراطقه ، كما حكم عليهم بذلك أيضا ،

مجمع لاتيران الثالث عام 1179 وبعض المجامع الإقليمية الأخرى وحتى هذا الوقت كانت الكنيسة في مقاومتها لهذه الهرطقات تكتفي بإرسال  واعظ يقدمهم للناس تعاليم الكنيسة ن لكن البابا انوسنت الثالث أراد أن يلجا إلى القوة لمقاومة هذه الجماعات فأرسل مندوباً عنه علي رأس قوة مسلحه وفوضه في القضاء علي هذه الحركة بكل الوسائل ، وقد مثل رسل البابا باتباع هذه الجماعة ابشع تمثيل !لكن يداً خفية امتدت إلى مندوب البابا وقتلته فتوقفت الحمله إلى حين .

بعد ذلك أرسل البابا مندوبا أخر هو ( ارنولد ) رئيس دير كليرفو لإنهاء المهمة التي بدأها ( بطرس دي كاسينو) كما عين سيمون دي مونتيفور ) قائد اللقوات العسكرية وصدرات لهم الأوامر بالا يرحموا أحد .

ولاذ الالبيون بالكونت ( ريمون السادس ) كونت تولوز فبسط عليهم حمايته رغم انه لم يكن من شيعتهم ، لكن بعد ذلك وتحت تأثير رجال الدين اعترف بأنه كان مخطئاً في هذه الحماية أرغم علي حمل السلاح ضدهم ، واذ وصلت الحمله العسكرية الي مدينة بزييه ، سأل رئيس الحملة مندوب البابا ماذا يفعل بسكان المدينة ، فاجاب ابادتهم جميعاً ، وقد سقطت في يد الحمله مدن وقري كثيرة كانت معاقل للالبين ن وهنا ظهرت فكره محاكم التفتيش التي تحدثنا عنها ، فعقد مجمع في تولوز عام 1229 وقرر هذا المجمع انشاء محاكم التفتيش وفي عام 1232 اصدر البابا جريجوري التاسع قراراً بتجديد اختصاصات هذه المحاكم

 

 الحرب ضد الألبين :

اتسمت حرب الاكليروس ضدهم بالعنف الشديد والوحشية منقطعة النظير، ولذا كيف أن البابا وكيل المسيح المحب يأمر بهذا . لدرجة أن الباقي من الشعب هرب الي الجبال والي البلاد المجاورة دون معونه أو زاد والمحاربون خلفهم يعملون السلب والنهب وعندما وقعت في أيديهم معاقل الالبين لم يرحموا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً وانما اعملوا فيهم الإحراق والقتل والتنكل ، فدمروا المدن واحرقوا البيوت ومن المؤسف كان كل ذلك باسم الدين !!!

وفي جنوب إيطاليا ، قامت حركة مشابهة لحركة الالبين أسسها كاهن من لمبارديا اسمه ( ارنولد ) وصل الي الاقتناع بأن الكهنة يجب ان يعودوا الي نمط الحياة التي كانت سائدة في الكنيسة الأولي ليس من ناحية السلوك فقط بل من جهة موقفهم من الممتلكات وطبق علي نفسه هذه التعاليم فارتدي زي الرهبان وعاش زاهداً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً فوجدت تعاليمه صدي في نفوس الناس ، واشتد سخطهم علي ما وصل أليه رجال الدين الكاثوليك ، فجعل البابا انوسنت الثاني باتخاذ موقف منه ، ففي عام 1139 اصدر مجمع لاتيران الثاني قرارا ضد ارنولد الذي هرب الي فرنسا من إيطاليا ومنها الي جبال الألب حيث وجد جماعات من الالبين واصبح واحداً من قادتهم .

قد كتب برنارد رئيس دير كليرفو للبابا يطلب أن يضمن سلامه ارنولد هذا وان يكتفي بإحراق كتبه بعد ذلك بقي ارنولد في سويسرا خمس سنوات وعاد بعدها الي روما وهناك ثارت مشاعر الشعب الذي كفر البابا والإمبراطور وما كان بينهما من صراعات ألا أن البابا والإمبراطور تواجد ضد الشعب وقمعوا حركاته بالعنف !!

وتم تسليم ارنولد للسلطات المدنية فاعدم شنقا في روما وبعد إعدامه قاموا بإحراق جسده ، واعتبره آهل روما من الشهداء والقديسين .

 

الكاثاريون :

نبدأ في التعرف عليهم بقراءة جزء من رسالة كتبها عام 1147 افرينوس عميد كاتدرائية ستينفيلد بالقرب من كولون الي برنارد رئيس دير كليرفو حيث قال ( لقد اكتشفنا بيننا جماعة من الهراطقة . وقف اثنان منهم في أحد الاجتماعات وراحا يرددان بعضاً من أقوال السيد المسيح والرسل ، وهؤلاء الناس يدعون انهم وحدهم الكنيسة الحقيقية لانهم دون سواهم ، يسلكون بحسب تعاليم المسيح ورسله ، وهم يستخدمون الصلاة الربانية فقط في الذبيحة ، ثم يتناولون جسد المسيح ودمه وبالإضافة الي معمودية الماء يتظاهر هؤلاء بأنهم يعتمدون بالروح القدس ونار ، مبشرين بهذا الي شهادة يوحنا المعمدان وهم ينادون بان كل واحد من المتمتارين يمكنه أيضا أن يعمد الآخرين ، كما أن كل مؤمن بوسعه أن يصلي علي عنصري الذبيحة المقدسة كما انهم لا يقرون الزواج ، ولا ادري لهذا سبباً )

كما كتب افرينوس أيضا عن جماعة أخري يقول ( انهم لا يعترفون بمعمودية الأطفال ، وينكرون أن الموضوع علي المذبح هو جسد المسيح الحقيقي ، مدعين أن الكهنة قد فقدوا قدرتهم علي التقديس ، كما انهم يشجعون الزواج بأكثر من زوجه واحدة كما انهم لا يؤمنون بشفاعة القديسين ولا بالصيام ويقولون أن التوبة هي وحدها طريق الخلاص والغفران وانه لا وجود للمطهر لان نفوس الراقدين تمضي فور موتهم أما الي الراحة واما الي العذاب وقد زاد عدد هؤلاء زيادة عظيمة وانضم إليهم عدد كبير من الكهنة والرهبان ) .

أما برنارد فكان يكتب ضد العنف ويقول ( أنا أشجع غيره الناس علي الكنيسة وتعاليمهما واحي فيهم تحمسهم في توقيع العقوبات علي الخارجين عليها ولكني أرى أن افضل السبل لمقاومة هذه الحركات هو حث الناس وتحريضهم علي طريق التعليم الصحيح ومنه الي العودة الي أحضان الكنيسة ، أما استخدام القوة أو العنف ضدهم فأنا لا أوافق عليه ) وفي وصفه لأولئك القوم كتب برنارد يقول ( لو سألتهم عن إيمانهم أجابوك إجابات مسيحية سليمة وعندما يحدثونك لا تسمع عنهم شتيمة أو كلمه نابيه ، هم يعملون بأيديهم ليكسبوا قوت يومهم ......ومن ثمارهم تعرفونهم ، لقد ترك الرجال نساءهم والنساء تركن رجالهن والكهنة الذين اتبعوا تعليمهم تركوا كنائسهم )

وهكذا كان برنارد يشير الي جماعه كاثاري الذين كانت منهم جماعه في كولون ولم يعترف هؤلاء بسلطان الكهنة بسلطان أو بالتقليد الكنسي ، كما كانوا يعترضون بشدة علي زيادة الأضرحة والأماكن المقدسة وعبادة الصور والقديسين ، وكانوا في تعليمهم يركزون عن الأعمال الصالحة ، وبعضهم لم يقر شرعية الحرب والقسم ، وكانوا يجوبون الأسواق يعظون التجار ويعلمونهم ، وكانوا يحيون حياة مشتركة علي نفس أسلوب الكنيسة الأولى وفي عام 1160 توجه فريق منهم من ألمانيا الي إنجلترا وراحوا ينشرون تعاليمهم هناك .

 

الأخوة :

كان هناك شبة كبير بين هؤلاء وبين الوالديين ، ألا انهم احتفظوا ببساطة الإيمان واشتهروا بين جيرانهم بحياة التقوى والطهارة والمعرفة العميقة وقد ابتعدوا عن الكنيسة نهائياَ وعاشوا منفردين ورحوا يمارسون عبادتهم بطريقتهم الخاصة باللغة اللاتينية .

وأعضاء هذه الجماعة كانوا من ( فلاحين الكتاب المقدس ) إذ كانوا يواظبون علي قراءته بطريقه جعلتهم اكثر منهما عن غيرهم بالنسبة لمفاهيم ذلك النصر ، وكانت لديهم ترجمات عديدة للكتاب المقدس واجزاء منه ، وكانت جماعه الاخوة متعاونة ومترابطة في جميع أنحاء أوروبا وكان لهم نشاط كبير بين العمال في المدن الفلاحين في الريف .

وبالرغم من ظهور هذه التيارات المتعارضة والمحتجة التي كانت تتزايد يوما بعد يوم فإن الكنيسة لم تستفد منها ، إذ وجهت كل همها الي إسكات هذه الأصوات دون الاهتمام بما يجب أن تفعل لاصلاح نفسها ومعالجه اوجه القصور والنقص في خدماتها كما إنها لم تحاول أن تلافي الأخطاء ، فكانت محاكم التقسيم هي رد الفعل الوحيد لظهور هذه الحركات والتيارات وكان لهذه المحاكم أسوأ الإثر في تطور الأحداث التي واجهتها الكنيسة فيما بعد .

والان نستعرض ما ألت أليه أحوال الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا في نهاية العصور الوسطي كهزات أتت بعده النهضة والإصلاح الديني .

 

محاكم التفتيش فى اوروبا :

إن أهم سمه تميزت بها جماعات المصلين في غرب أوروبا في القرن الثاني عشر . والذين كان الاكليروس يعتبرهم "مخالفين" أو " معاندين" هي سمة : الزهد والدعوة الي البساطة الأولى كمد روحي للكنيسة الشرقية في مصر وقد انتعشت هذه الاراء في وقت كانت الكنيسة فيه قد تردت في مساوئها : من اتجار في المناصب الدينية ( السيمونية ) والسماح لرجال الدين بالزواج بعد أن رفلوا في أسباب النعيم باحثين عن وارثية لهم في هذا ، وغير ذلك من أمراض آلمت بالكنيسة كبيع صكوك الغفران .....الخ

وافتضح أمر البابوية وكبار الأساقفة .

وطرحت قضية " الاكليروس " علي بساط الشك من أساسها نظراً لما أصابته من ثراء فاحسن ، وكان النبلاء الإقطاعيون يتطلعون الي الفرصة السانحة ليقضوا علي أملاك الكنيسة الشاسعة علهم يصيون شيئا منها ، ولكن البابوية كانت تفرض من الحماية والحصانة علي تلك الأملاك في الوقت الذي كانت تنظر بقلق الي نشاط هؤلاء النبلاء الطامعين في أملاكها خاصة في فرنسا .

وفي عام 1207 طلب البابا انوسنت الثالث من الملك فيليب أغسطس التدخل علي رأس حمله صلبيه لقمع النبلاء في الجنوب الفرنسي ألا أن فيليب كان يخشي أن ينتهز ملك إنجلترا " يوحنا" الفرصة للانقضاض علي الشمال الفرنسي القريب منه إذا اقدم رجاله علي شن حملة علي النبلاء في الجنوب الفرنسي .

واخيراً بعد أن نفد صبر البابا " انوسنت الثالث " أعلن في 15 يناير 1208 قيام حمله صلبيه ضد نبلاء الجنوب الفرنسي ووعد من يشارك في هذه الحمله بالغنائم التي تقع في أيديهم من أملاك هؤلاء المارقين في نظره هو .

وارسل البابا قاصداً رسولاً لتهدئة الأوضاع في الجنوب الفرنسي ألا أن مهمته باءت بالفشل الأمر الذي حدا بالبابا بان يرسل قراراً بالحرمان الديني ضد " ريمون السادس " صاحب تولوز وقوبل هذا الحرمان باغتيال القاصد الرسولي من أحد اتباع ريموند

وعليه فقد دعا البابا " انوسنت الثالث " الي حمله صلبيه ضد المنشقين ن استجاب لها الآلاف من الفرسان المتطوعين من الشمال الفرنسي أملا في ثروات الجنوب وغنائمه وقد قامت هذه الحمله بمذابح رهيبة اشهرها تم في حصار وسقوط بلدة " بيزيه " حيث قتل الصليبيون 15,000 من السكان دفعة واحدة ومن ثم كانت اكبر عملية إرهابية في تلك الفترة .

وبعد وفاة فيليب أغسطس اصدر الملك " لويس الثامن " قراراً لارضاء البابا في روما باقامه وتشكيل محاكم التفتيش في جنوب وشمال فرنسا ، وكانت هذه المرة هي الأولى التي يصدق فيها القانون الفرنسي علي عقاب المهرطقين بالحديد والنار وليس بالمناقشة في محبة لان الله يريد أن الجميع يخلصون والي معرفة الحق يقبلون بعد هذا أمر " لويس الثامن " جيوشه بالاستيلاء علي مدينة " افنيون " بسبب رفضها لجيوش البابا بالعبور علي اراضها نحو الجنوب ، فدمرت أسوارها واسباح فرسان الشمال خيرات وحرمان الجنوب الفرنسي تحت شعار الصليب ومحاكم التفتيش .

وكان " لويس التاسع " ملك فرنسا أسوأ حاكم علماني شجع علي تثبيت أقدام محاكم التفتيش في فرنسا ، لكي يرضي معاصريه من الباباوات لذلك سموة " القديس لويس " واسند مهمة التفتيش والمحاكمه الي رهبان الدومنيكان الذين بدءوا بإرهاب صغار القساوسة وبسطاء الناس بجبروتهم ، أرسلوا الي المحرقة أعداد لا تحصي بتهمه الخروج علي تعاليم الكنيسة ، بالاضافه الي من امتلأت بهم جحور السجون ، وغياهب السبي .

ويحدد المؤرخين سنه 1233 علي وجه التحديد كبداية لإرساء محاكم التفتيش في فرنسا جميعها وقد خول الملك الفرنسي رجلاَ يدعي " روبرت لي يتي " صلاحيات كبيرة كمفتش عام علي هذه المحاكم ، وقد رهب هذا الرجل فرنسا كلها ما بين عامي 1233، 1239 إذ شنق 183 شخصاً دفعة واحدة في مقاطعه

 ( شامباني ) .

وفي عهد الملك الفرنسي فيليب الرابع الذي تولي ما بين عامي 1285 – 1314 كلف وزيره وحامل أختامه بتلفيق التهم لجماعه رهبان الموعد الذين لعبوا دوراً كبيراً في الحملات الصلبية في فلسطين ومن هذه الاتهامات : عباده الشيطان والانحلال الأخلاقي والفجور وبهذا تعرضوا لصنوف من العذابات داخل زنزانات سجونهم ألي حد أن واحداً منهم عندما بلغ العذاب مداه به صاح قائلاً : أنني علي استعداد أن اعترف لكم بأنني قد قتلت الله شريطة أن تكفوا عن تعذبتي وترحموني من الحرق بالنار ، ثم اصدر البابا قرار بمصادرة أملاكهم في كل أنحاء العالم المسيحي ثم أمر بإقامة محكمه تفتيش خاصة للتحقيق معهم لأدانتهم .

وفي سنه 1310 صدر حكم محكمة التفتيش بإحراق 63 راهباً من رهبان الداوية بتهمة عباده الشيطان والانحلال وفي سنه 1314 اكتملت المأساة حيث اقتيد رئيس رهبان الداوية جاك دي مولية وبعض رفاقه إلى المحاكمة وتقررا احراقهم  جميعاً بتهمة ملفقة ، ومنذ ذلك التاريخ صار تلفيق الاتهامات ونشر الفضائح الكاذبة والإرهاب كان اكبر سمه للملكية الفرنسية تحت رعاية الكنيسة الغربية حتى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 .

وحتى جماعة الفرنسيسكان لم تنج من بطش محاكم التفتيش ، فقد نادي فريق منهم بضرورة الرجوع بالعقيدة إلى حياة البساطة الأولى ،ولكن البابا " يوحنا الثاني والعشرين " ( 1316- 1334) قرر تقديمهم إلى محاكم التفتيش سنه 1318 .

وتابع الباباوات إرهابهم للفكر بواسطة محاكم التفتيش لكل صوت ينادي بالإصلاح وبالرغم من المذابح الرهيبة انتشرت دعوة الإصلاح الديني إلى بوهيميا وجنوب شرق ألمانيا .

وفي سنه 1229 عين البابا مفتشاً كنيسياً عاما علي ألمانيا هو ( كوزاد ) الذي جر الآلاف من الأبرياء إلى المشانق أو المحاق وكان يكفي عنده أن يشار إلى جار من جاره بأي شاية ضد الدين فيجر أهل البيت جميعاً إلى المشانق وقد ضج الناس من الإرهاب الذي اتبعه كونراد هنرا ، حتى أن بعض الأساقفة نصحوا إلية بالاعتدال ، ولكنه لم يكن يطيع بل يزداد في طغيان تحت سمعهم وبصرهم . وبعد أن استشري الغضب بالشعب هاجمة بعض النبلاء وقتلوه سنه 1233 فتنفس الألمان الصعداء .

 

 

 

اليهود ومحاكم التفتيش فى اسبانيا والبرتغال

أكدت التشريعات المطبقة علي اليهود بوحي من الكنيسة ما قيل من انهم أناس رفضهم الله ولعنهم ، أقيم من حولهم سياج عزل صحي يقي أرواح المسيحيين من عدواهم ، وانكمشت الاتصالات علي الصعيد الاجتماعي معهم ، وتعددت حوادث اضطهادهم وطوردوا من مكان لمكان ، فقد طرد اليهود من فرنسا أعيدوا أربع مرات فيما بين عامي 1182 ، 1321 وفي عام 1322 طردوا مرة أخرى حيث لم يبق منهم يهودي واحد في فرنسا خلال الأربعين عاما التالية ، وفي أسبانيا حيث ازدهر اليهود في ظل الحكم الإسلامي ثم المسيحي ، بدأ اضطهادهم بوحي من الكنيسة عام 1492 طرد اليهود جميعاً من أسبانيا وثم ذلك في 2 أغسطس من نفس العام وهو يوم اتخذه اليهود يوما للحداد في حياتهم .

وبذلك استبعد اليهود في نهاية القرن الخامس عشر بصورة تكاد تكون تامة من كل غرب أوروبا باستثناء أجزاء بسيطة في ألمانيا وإيطاليا ومن ثم احتشدوا في الإمبراطوريتين الشرقيتين الباقيتين وهما : حيث تجمع اليهود الاشكلنازيم واليهود شمال أوروبا ، وفي الإمبراطورية العثمانية حيث تجمع اليهود السفارديم من الأصل اللاتيني أو الأسباني .

وانتشرت بتزايد نفوز الكنيسة السياسي ظاهرة اليهود الذين أخفوا ديانتهم عندما وجدوا أنفسهم بين اختبار الموت أو التحول إلى المسيحية . واضطرت جموع كثيرة منهم إلى هذا التحول في الظاهر ، وهم مقيمون سرا على ديانتهم اليهودية ، ومصممون على ثقتهما لأولادهم جيلا بعد جيلا ،" وقد عرف هؤلاء في أسبانيا باسم ( المارانوس حيث انفتحت أمامهم أبواب العمل في المحاماة والحكومة والجيش والجامعات ، بل وفى الكنيسة نفسها ، وتمت لهم السيطرة على أوجه النشاط في أسبانيا ، وكان لفظ ( مارنوس ) هذا اصطلاحاً أسبانيا يرجع إلى العصور الوسطى ويعنى ( الجنزير ) وفى ذلك ما يشير إلى مقدار ما كان يشعر له الأسباني العادى من احتقار نحو هؤلاء اليهود غير المخلصين الذين ازدادوا عددهم وزاد نفوهم .

وعلى امتداد القرن 15 ادأ الناس يكرهون أولئك المنافقين اليهود الذين اصبحوا مسحيين مظهرا ويهود مخبرا ، أولئك الذين احتكروا المراكز المالية الهامة ، وارتبطوا بالعرش ، بحيث أصبحوا يمثلون أحد مظاهر القهر الملكي ، وتقرر في عام 1464 النظر في أمر هؤلاء المسيحيين الجدد ، غذ فوضت الكنيسة في عام 1478 ثلاث شخصيات بالتصرف في الأمور التي تنطلق بالمرتدين ، وكان ذلك أنما يعنى بداية محاكم التفتيش في أسبانيا ، وصلت الأمور إلي أقصى غاية المدة في عام 1480 حين قرر عدد من أغنياء التجار المسيحيين الجدد في مدينة ( سيفيل ) مقارنة محاكم التقسيم ، غير أن أمرهم انكشف وحوكموا وأعدموا ، وفي عام 1481 احرق ستة رجال وأمراه أحياء ، وأعدم رئيس الجماعة ، وطرد اليهود من أسبانيا نهائيا عام 1492 ، وانتقل اغلبهم للبرتغال التي طردتهم هي الأخرى عام 1497 ورحل موظفهم على أفريقيا ، واعتنق الباقون المسيحية دون إخلاص ، حيث احتفظوا بديانتهم ، وبدأت محاكم التفتيش في البرتغال عام 1536 حيث عذب وأعدم عدد من المسيحيين الجدد ونتيجة لهذا القهر والاضطهاد وترك المسيحيون الجدد أسبانيا والبرتغال إلى الشرق الوسط وإيطاليا وهولندا وإنجلترا ، واصبح لبعضهم وضع قوى جداًَ في البلاط التركي ، وأدوا في مقرهم الجديد إلى الديانة اليهودية علنا ، واعترفت بهم فرنسا رسمياً عام 1730 ، ومارسوا ديانتهم علناً في هولندا في مطلع القرن 17 ، وازداد نشاطهم في البحرية التجارية الهولندية بحيث سيطروا على ربع انهم شركة الهند الشرقية الهولندية .

وكان عدد المارانوس في إنجلترا  محدودا غير أن وتغير كرومويل رحب بهم أملا في الحصول على عونهم على حصل لندن مركزا للتجارة الأوربية ، وحدد في عام 166 ميثاق رسمي يحمى الطائفة اليهودية ومنحوا حرية العبادة عام 1673 وعوملوا معاملة مساوية لباقي السكان .

واتجه المارانوس في الوقت نفسه إلى الاهتمام باستكشاف العالم الجديد ومولوا هذه العمليات ، وهناك ما يدعو للاعتقاد أن ( كريستوفر كولومبوس ) كان ينتمي إلى أخري عائلات لمسيحية الجدد ، وانتقلت أعداد منهم إلى البرازيل في القرن السادس عشر وإلى المكسيك .

أما عدد المارانوس في العالم اليوم فمحدود للغاية أو كان الاعتقاد ساندا بان محاكم التفتيش قد قضت نهائياً على أثار اليهود في أسبانيا والبرتغال ، يميز أن يهوديا بولنديا يدعى ( شوارز ) كان يعيش في لشبونة جميع معلومات عام 1917 تدل على تجمعات من المارنوس مازالت تلتزم بالتعاليم اليهودية ، وقد بدأت أعداد المارنوس القليلة تضمحل حاليا حيث تزاوجت أجيالها الجديدة مع غير اليهود وهاجر بعضها إلى إسرائيل ولا يحتمل أن تبقى فئة المارانوس في أسبانيا والبرتغال طويلا .

 

 

 

 

الباب السادس

 

الكنيسة الغربية فى واجهة الإصلاح الدينى

 

 

 

احوال الكنيسة فى نهاية العصور الوسطى

 

رأينا فيما عرضناه كيف كانت قوة الاكليروس سببا في قوة الكنيسة وامتداد سلطانها وكيف كانت عظيمة رجال الدين أمثال جريجورى السابع وانوسنت السابع سببا في خضوع الحكام والأباطرة لهم .

ولكن في فترة أواخر العصور الوسطى ابتدل الحال غير الحال ، وبعد هذه النهضة العامة التى اشتعلت نيرانها في الكنيسة بهدف الإصلاح النسبي ، على أيدي رهبان دير كلوتى وغيرهم من الأنظمة الرهبانية الأخرى انحسرت هذه الموجه ليعود الفساد من جديد وبشكل أكثر بشاعة ويقبض في نفس الوقت على أصوات المصلحين بيد من حديد .

أحوال الأكليروس

عم الفساد بينهم وأصبح رجال الدين في حالة يرثى لها من الفساد ، أصبحت المباذل التي يرتكبونها على كل لسان ، وارتفعت بعض الأصوات تستنكر تصرفاتهم ، وتدين أعمالهم ، لكنهم تمادوا في غيمهم معتمدين على مالهم من سلطان ، استطاعوا به أن يسكتوا أصوات معارضيهم ومنتقديهم .

ولقد لعبت الأموال الطائلة التي أتخمت بها خزائن رجال الدين وجيوبهم دورا كبيرا ، في إهمالهم لواجباتهم الرعوية وسقوطهم في المساخر والشرور ، لأنه أصبح في مقدورهم تحقيق كل ما يطلبون ، ولو أن كانت فيهم قلة قليلة من المتميزين ولكن لم يكن لهم أي تأثير . وفى خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر ، زاد الفساد وبصورة بشعة أثارت عليهم الرأى العام ، وقد وصف سكرتير البابا بتدكت الثالث عشر حال رجال الدين فقال ( أن واحد في الآلف منهم هو الذي كان يواظب على القيام بأعباء خدمته )

الرهبان

قاوم الرهبان حالة الانحطاط الخلقي التي سادت تلك الفترة ، لكن إلى حين ، ولم يلبثوا أن أصبحوا هم في أدير تهم يعانون من الحالة نفسها ، وأصبح الكثيرون من الرهبان مستعدين لخطايا عديدة ، مدمنين للخمر ، واصبح منهم الكثيرون محط الهزء والسخرية بسبب ما كانوا يعملون من شرور .

حتى الأنظمة الحديثة أنظمة ( الرهبان الشحاذين ) ظلت زمانا طويلا تقود ركب الإصلاح ولكن لم تكتب تحت الضغوط أن استسلمت وجرفها نفس التيار .

ألا أن هذا لا يعنى أن كان هناك جماعات رهبانه ظلت متمسكة بمبادئ الكتاب المقدس .

أين كان الشعب

انشغل الاكليروس بمصالحهم أهملوا واجباتهم الرعوية قبطية الحال انحط حال العب ، خاصة وأن الوعظ في الكنائس كان نادرا لحمل منظم الكهنة ، وقد أدى هذا ألي جهل الشعب بتعاليم الله والكنيسة ، فالقداس كان يتلى باللغة اللاتينية التي كانت غير مفهومي لدى العامة ، بل كان منظم رجال الدين يجهلونها فرددوها كالببغاوات دون أن يدرون ماذا يقولون ، لكنهم حفظوه من تكرار تلاوته . كانت مواعظ الرهبان الفرنسيسكان والدومنيكان الذين كانوا في هذه الفترة هي المواعظ الموجودة ، ثم مالبث أن فتر حماسهم أمام ما عانوه من اضطهاد الكنيسة لهم وخفت صورتهم . ظهر عجز الكنيسة وفشلها في عدم قدرتها على مواجهة حاجات الشعب المتزايدة والذي كان يزيد بمعدلات كبيرة ، فابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي زاد عدد السكان في مدن أوربا زيادة كبيرة ، فابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي زاد عدد السكان في مدن أوربا زيادة كبيرة ، الأمر الذي كان يتطلب مضاعفه الجهود والخدمات التي كانت تقدمها الكنيسة لهم ، لكن الذي حدث هو العكس ، إذا أن اهتمام الكهنة بمصالحهم الخصية . أدى ألي عدم الاهتمام بحاجات الشعب ، وكان هناك عجز واضح وملموس في أعداد الكنائس والكهنة في أماكن كثيرة ، فعاش آلاف البشر في فقر لا يجددون أي معونة حتى من الكنيسة الفئية ، لا عداء روحي ولا جسدي وطفى حب المال على الاكليروس فتوقفوا عن مساعدة الفقير وصموا ذاتهم عن أنين اليتيم والأرملة .

ثم أن تركيز الاهتمام في العبادة على ممارسة الأسرار والالتجاء إلى القديسين بشكل شاذ وكثير أورثهم شراء الغفران بالمال ، كل هذا أدى ألي انحطاط الروحيات بين الناس ، وعدم اهتمامهم بالتدقيق .

وأمام كل هذا بدأت هزات عنيفة وتوجهات إلى الإصلاح الجذري في الكنيسة وصدام مبين بين الرجعية والتقدمية في الكنيسة الكاثوليكية نراه في الأوراق الآتية :

فالشعب المضغوط يبحث عن متنفس إصلاح يعطية هامشان من الراحة من وطأة الكنيسة التي كان يجب أن تكون مبعث هذه الراحة .

وقد تضافرت عدة جهود في ذلك : ما بين الرهبان الواعدين الذين وجودا في العودة إلى البساطة والعبادة الصحيحة على نمط كنيسة مصر وبين فئات الشعب التي حاولت أن تضحي وتبذل ضد فساد الكنيسة الذي وصل حتى إلى أرزاقهم ومعيشتهم ، مما دفع هذه الفئة كل في مكانه إلى الكفاح ضد الكنيسة في فسادها ،

وهكذا سنرى هذا الكفاح متمثلاً في :

أولا : الطبقة الوسطى ( البورجوازية ) ولاصلاح الديني :

أدى ظهور الطبقة الوسطى التجارية وسكان المدن في أوربا ألي تغيير وجه الحياة فيها ، فتغيرت نظرة الناس ألي عادات وتقاليد العصور الوسطى في أوربا ، فأخذت هذه العادات والتقاليد تتزعزع أسسها مع انهيار المجتمع الإقطاعي وبناء المتجمع البورجوازي نتيجة انتعاش التجارة واكتشاف الطرق التجارية براويجوا وإنشاء المدن التجارية نتيجة تجتمع التجار لتتبادل التجارة ، وانتعاش رؤوس الأموال التي أظهرت شخصية هذه الطبقة في مواجهة الإقطاع والرأسمالية ومنها الكنيسة الكاثوليكية نفسها ، مما اخذ معه البناء السياسي والفكري والديني والقانوني والفلسفي في الانهيار أمام هذا البناء الجديد في نفس المسارات .

فكانت الكنيسة الكاثوليكية في ظل العلاقات الإقطاعية قد استطاعت أن تصوغ الدين في شكل يتفق مع هذه العلاقات فعملت علي تمجيد حياه الزهد والتقشف والنهي عن التمتع بجمال الحياة ونعيمها بالنسبة للشعب فقط دون رجالها ودعت هؤلاء الناس إلى تعذيب النفس وحرمانها استعدادا لنعيم الاخره وذلك بغرض حمل الشعب علي قبول الاستغلال الإقطاعي في إذعان واستسلام .

وكانت الكتبة تطلب إلى الناس اتباع تعاليمها دون مناقشة الأمر الذي أمات فهم الروح البحث والابتكار بل والتعليم علي أساس أن الجهل يسهل قياده الشعب ، واعمي إنسان العصور الوسطي عن رؤية جمال العالم وفكره وثقافته . فقد كان الجمال في نظره رجساً من عمل الشيطان ولم تصبح الدنيا في رأيه ألا مضيفه إلى الدار الآخرة ، وحببوا أليه الجهل ليكون مقبولا لدي الله لان في نظرهم – دليل علي صدق العقيدة وقوة الإيمان .

وفي الوقت الذي كانت فيه الكنيسة تقوم بهذا إزاء الجماهير الكادحة كانت تمارس الاستقلال المادي لهذه الجماهير ، بأشد مما كانت تمارسه طبقة النبلاء والإقطاعيين ، وكان الباباوات في روما يعيشون عيشة الترف ، وانغمس بعضهم في حمأة الرذيلة كما تمتع بعض رجال الكنيسة بالكثي من الحقوق والامتيازات الدينية والمدنية التي لم يكن يتمتع بها سائر أفراد المجتمع آنذاك وكانت الكنيسة إلى جانب امتلاكها ألا قطاعات واسعه معفاة من الضرائب لها الحق في جمع نوع من الضرائب في شكل العشور .

وفي الوقت نفسه لم تكتفي الكنيسة بما كانت تتمتع به من مركز هام في المجتمع الإقطاعي بحكم دورها الديني ، بل أراد الباباوات إخضاع الأباطرة لسلطتهم وبمعني أخر إخضاع السلطة المدنية للسلطة الدينية رغم أن المسيحية تؤكد أن الكنيسة والدوله تستمدان سلطتهما من الله الذي أوكل لواحدة حكم الروح والأخرى سلطه الإدارة ( أعط مال قيصر لقيصر وما لله لله ) الأمر الذي أدى إلى النزاع بين البابوية والامبراطوريه كما مر بنا .

وقد كان من الطبيعي مع انهيار المجتمع الإقطاعي وظهور طبقه جديدة علي أنقاض هذا المجتمع وهي البورجوازية بمفاهيم ومثل جديدة وبأسلوب في الحياة والتفكير يختلف عن أسلوب العصور الوسطي ، أن تصحوا أذهان الناس علي مساوئ الكنيسة ومفاسدها وان تتمرد نفوسهم علي قيودها ونظرياتها فوقعت سلسله من ردود الفعل – رأيناها في الأوراق السابقة – وبناء هيكل كنسي جديد يتفق مع علاقات الإنتاج الجديدة . وما ترتب علي هذه العلاقات من قيام بناء علوي جديد .

ولقد لعبت الطبقة البرجوازية الدور الرئيس في تحطيم سلطه الكنيسة الكاثوليكية في عصورها الوسطي هي الطبقة الثورية كما رأينا وكان قد سبق لها أن بلغت مركزا مرموقا في المجتمع بفضل ثرائها القائم علي رأس المال ولكن هذا المركز مع ذلك كان لا يتلاءم مع قوتها وقدرتها علي التوسع والامتداد وبالتالي لما كان النظام الإقطاعي هو الذي يقف حائلاً دون نموها وتطورها فقد كان عليها أن تحطم هذا النظام .

ولكن الكنيسة الكاثوليكية كانت المركز الدولي العظيم للإقطاع وهي التي وحدت أوروبا الغربية الإقطاعية وجعلت فيها برغم كل الحروب الداخلية نظاما سياسيا موحد أيقف إزاء الكنيسة الاغلايقية الأرثوذكسية المنشقة عليها ( هذا في رأي الكاثوليك ) والممالك الإسلامية علي حد سواء أحاطت الأنظمة الإقطاعية بهالة من القداسة ونظمت طبقاتها دفعه النموذج الإقطاعي واخيراً كانت الكنيسة اقوي سيداً اقطاعي وتملكت ثلث ارض العالم الكاثوليكي ولهذا كان لابد قبل توجية هجوم ناجح إلى النظام الإقطاعي الفاسد في كل بلد لابد من تحطيم نظامه المركزي المقدس وفضلاً عن هذا فقد صاحب نمو البرجوازية عملية إحياء العلوم العظيمة من تلك وميكانيكا وطبيعة وتشريح وفسيولوجياً في حين كان العلم في العصر الإقطاعي الخادم المطيع للكنيسة ولم تكن تسمح له بان يتخطي الدود التي رسمتها العقيدة رغم أن المسيحية دين انفتاح علي الثقافة والعلوم والتعليم ما دامت لا تبعد الإنسان عن الحياة مع الله .

يتبين من كل ذلك أن البورجوازية كانت هي الطبقة التي يعنيها اكثر من غيرها النضال ضد دعاوى الكنيسة الكاثوليكية ذلك أن كل صراع في ذلك الوقت ضد الإقطاع كان لابد أن يجري تحت ستار ديني أي يجب أن يكون موجها ضد الكنيسة أولا .

ولكن إذا كانت الضحية بدأت من البرجوازية فقد كان من المحقق أن يتردد صداها في طبقات أخرى فقد تردد صداها في جماهير الفلاحين الذين كان عليهم أن يكافحوا من اجل وجودهم ضد سادتهم الإقطاعيين ، كما تردد صداها في طبقة الفرسان الذين كان عليهم ان يكافحوا ضد سيطرة كبار النبلاء

 

الإصلاح الدينى فى ألمانيا

 

لماذا ألمانيا ؟!

هناك جمله أسباب جعلت هذه الظروف تنضج في ألمانيا بذات وتفسر لماذا قامت حركة الإصلاح الديني في ألمانيا بدلاً من قيامها في انجلترا أو السويد مثلاً

فمن ناحية : أصبحت المدن الجديدة من نهاية القرن الرابع عشر ذات أثر راجع في مقدرات الشعوب الألمانية فإن المدن من أمثال فرانكفورت Frankburt وستراسبورج Strassburg  ونورمبرج وغيرها من مراكز النشاط التجاري و الصناعي قد أخذت تلعب دورها ما في حياة ألمانيا فقد ظهرت طبقة من ممولين الذين برز من بينهم ( بيت فوجر ) سيطرة علي تجارة ألمانيا مع إيطاليا الشمالية والأراضي المخفضة ( بلجيكا وهولندا حالياً ومع الشرق أيضاً وكان المال هو أهم مصادر قوتها وقد أصبحت هذه الطبقة قبله أنظار الأمراء وكان الحكام يطلبون منها لسد احتياجهم وبفضل هذه المركز الاقتصادي الممتاز  فرض البورجوازيون سيطرتهم الواسعة علي كافة نواحي الحياة في زمانهم

وإلي جانب هذه الطبقة كانت توجد طبقة الفرسان و كانوا ساقطين علي الأوضاع وكان خلال هذه الطبقة من النبلاء الضعفاء قد بدء من القرن السادس عشر عندما تضاءلت قيمة أراضيهم بسبب التطور الاقتصادي ، فلم تصبح الأرض هي مصدر الثروة الوحيد ، كما تغيرت أساليب القتال وادوانه وفنون الحرب فنقدت هذه الطبقة مبرر بقائها ومع أن قلائل منهم استطاعوا الاحتفاظ بشيء من امتيازاتهم مثل فرسان الراين وسوابيا وفرانكونيا ، فان الأغلبية الكبري خضعت لسيادة الأمراء الأقوياء ولم نحتفظ ألا بالقليل من امتيازات النوعية ولهذا اصبح هؤلاء الفرسان متحفزين للثورة ضد  النظام الاجتماعي و السياسي القائم

وإلي هذه الساخطة كانت توجد طبقة أخري أشد سقطاً هي " طبقة الفلاحين  " فقد كان هؤلاء يعشون علي هامش الحياة بمعزل  عن التطورات العميقة التي شاهدتها المدن الإلمانيا  حيث كانت أفراد الطبقة البرجوازية قد قطعوا شوطاً بعيداً في مجال  التقدم  والرفاهية

وكان هؤلاء الفلاحين ألمان  يعشون عبيداً في قيود اقطاعين  وكانوا محل استغلال مشترك من الأمراء ورجال الكنيسة و الفرسان إذا كانوا نهباَ بشي أنواع الضرائب : نقداً أو عينياً ومسخره وتحرم عليهم كثيراً فقد كانوا يحرمون حتى من ممارسة صيد السمك في الأنهار و القنوات وصيد الحيوانات في الغابات  لأنها أرض إقطاع في حين كانت تنتهب أراضيهم وبيوتهم وأعراضهم كان أعدائهم لرجال الدين شديداً فقد نددوا بالأعباء المالية التي  فرضتها عليهم هؤلاء وبإسرافهم في فرصة ضريبة العشور وغيرها من الضرائب والرسوم المختلفة تحت مسميات وأنواع مختلفة .

وبالإضافة ألي ذلك فهناك أسباب أخرى تفسر قيام حركة تفسر قيام حركة الإصلاح الديني في ألمانيا ، وهي أن الألمان كانوا يحقدون منذ القدم علي الكنيسة الكاثوليكية في روما ، إذ كان النزاع المستمر بين البابا والإمبراطور الألماني ( إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة ) سبباً في أن كل فريق كان يشعر نحو الأخر بعداء شديد وفضلاً عن ذلك ففي الدول الأوربية الأخرى ، كانت تقاليد الحكم في أيدي ملوك أقوياء استطاعوا حماية رعاياهم من جشع رجال الدين ولكن في ألمانيا حيث كان الإمبراطور يحكم مجموعه من الأمراء الأقوياء وليس له ظل من السلطة فان البرجوازية بين كانوا تحت رحمة القساوسة والمطارنة مباشرة الذين كانوا يحاولون جمع المال لصالح تلك الكنائس الضخمة التي كان إنشاؤها هواية الباباوات في عصر النهضة .

وهناك سبب مهم أخر هو أن ألمانيا كانت موطن الطباعة ، منذ اخترع يوحنا جوتنبرح ( 1397 – 1468 ) الطباعة بالحروف المصفوفة في منتصف القرن الخامس عشر فأزال العقبات في سبل انتشار العلوم وتوصيلها إلى عامة الشعب وكان الكتاب المقدس أول كتاب طبع بهذه الطريقة في سنة 1455 ، وبذلك لم يعد محظوظا محجبا بالأسرار في صورة كبار رجال الدين الذين تولوا تفسيره إذا كانوا قد فسروه ، بل اصح كتابا من الكتب المتداولة في كثير من البيوت ، الذي كان بها يعرف اللغة اللاتينية ، ومن هنا بدأت أسر بأسرها تقرأ الكتاب المقدس ، الأمر الذي كان مخالفاً لنظام هذه الكنيسة من قبل ، وتبين للناس عندئذ أن القسوس كانوا يعلمونهم أشياء كثيرة تختلف للأسف عما هو موجود في النصوص الكتابية التي بين أيديهم ، مما أثاره في نفوسهم الشك في رجال الدين واشتدا الحملة ضدهم .

في ذلك الحين كانت الظروف تتجمع داخل الكنيسة وتدفع للثورة عليها . وتنقسم هذه الظروف إلى قسمين !

الأول : يتصل بفساد الكنيسة                    الثاني : يتصل بمحاولات الإصلاح .

ففيما يختص بفساد الكنيسة ففي النصف الثاني من القرن الخامس عشر ، كان عدد كبير من رجال الكنيسة ، وعلى رأسهم البابا يعيشون عيشة الترف والمجون ، وتحولت الولايات البابوية إلى دول علمانية من الناحية العملية ، استخدم فيها البابا كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق أغراضه السياسية ، ومن هذه الوسائل : التآمر والقدر والاغتيال بالسم ، والحروب . وفي الفترة التي سبقت حركة " مارتن لوثر " جلس على كرسى البابوية أثناء من الباباوات يعتبران بحق مسئولية عن تدهور سمعة البابوية وانحدار مركزها هما ! اسكندر السادس 1492 – 1503 ) ويوليوس الثاني ( 1503 – 1515 )

فبالنسبة لحياة اسكندر السادس ، فقد كانت حياته محزنة ، فقد كرسى حياته لإشباع ملذاته وتحقيق اطماعة ، وغلاق مراتب الشرف على أبنائه ، وتنمية ثرواتهم ، وكان قد أقام علاقة بأجدى السيدات المتزوجات وتدعى فانوتزا vamogga  وانجب فيها بفضل هذه الصلة غير الشرعية أبناءه الأربعة : دون جوان وشيزار وجوبي goPe  وابنته لوكرنريا ، كما كان له ابناء اخرون من نساء أخريات ، وقد أقام ابنه شيزار بورجيا  borgia  قسيساً تم كاردينالا فارتكب من الجرائم ما جعل روما ترتجف رعباً من مجرد ذكر اسمه ، ولم يتورع عن قتل أخيه دون جوان ، عندما خشي أن يشاركه سطوته ونفوذه واستخدم البابا وابنه جميع الوسائل المشروعه وغير المشروعه لتحقيق أهدافها مثل : الرشوة والاغتيال علي أوسع نطاق في سلاح الحرمان البابوي .

أما البابا يوليوس الثاني فلم يكن يقل في أطماعه الدينونه عن سابقه اسكندر السادس وإن سلك في سبيلها طريقا مختلفا عن طريق أل بورجيا وهو طريق الحرب والسياسة فقد وقف يوليوس الثاني موقف المحارب والسياسي يقود الجيوش ويقاتل الأعداء ويدبر المكائد ويعقد المخالفات وذلك لاعادة تأسيس ممتلكات الكنيسة ، حتي يعتبر بحق مؤسس أملاك البابوية في القرن السادس عشر .

وقد كان من الطبيعي أن تتأثر ميول كبار رجال الكنيسة بميول هؤلاء الباباوات ، فانكبوا بدورهم علي الدينونات ، وطرحوا العناية بالشئون الدينية والروحانيات جانبا وصار من المألوف أن ينظر أصحاب هذه المراكز الدينية ألي وظائفهم باعتبارها مصدر إيراد فقط . أصبحت الوظائف الكنسية تباع غالبا في سوق المساومات مع هؤلاء الباباوات وصارت هذه الوظائف بفضل تحايل الاكليروس شبه وراثية ما داموا قادرين علي دفع المال .

وقد ترتب علي ذلك أن أهملت الواجبات الكنسية ونفذت الكنيسة مكانتها العالية التي تبوأتها ،واهتز الأساس الروحي والأخلاقي الذي أقامت عليه نفوذها وهيمنتها في العصور الوسطي ومن هنا بات المسيحيون في غرب أوروبا يدعون إلى إصلاح الكنيسة والقضاء علي الانحرافات الخطيرة فيها ، وتطوير نظمها وتنظيم علاقاتها مع سائر العالم المسيحي .

وقد أخذت هذه الدعوة تم بعده أدوار وتتعرض لعدة تطورات . نقلتها من مجرد الدعوة الي إصلاح الكنيسة إلى الدعوة إلى إصلاح العقيدة ذاتها ! وهذه الدعوات جميعها وهي التي تحولت إلى حركات هي التي يطلق عليها في مجموعها ( حركة الإصلاح الديني ) .

 

ثانياً : حركة الإصلاح الديني من الداخل :

أن الدعوة إلى إصلاح الكنيسة يعبر عنها بالإصلاح من الداخل ، أي من داخل الكنيسة ذاتها ، فتقوم الكنيسة علي أيدي رجالها بازاله مفاسدها وتنظيم شئونها واصلاح نفسها بنفسها .

وكان قوام هذا الاتجاه عقد المجامع تباعا وفي فترات علي يد رجال الدين الكاثوليك الذين عقدوا المجامع الدينية لإدخال الإصلاح اللازم للكنيسة من داخلها بل أن أخر هذه المجامع هو المجمع الديني الذي عقد في بال  basle  في 1431 , أراد أن يضع القرارات التي تصدرها المجامع الدينية فوق قرارات البابا أراد أن يحد من سلطه البابا ويمنع عنه بعض الموارد الكنسية ولكن اتملاء البابا نقولا الخامس في سنه 1447 كرسي البابوية قضي علي هذه المحاولة ، الأمر الذي أدى إلى فشل حركة المجامع الدينية في إدخال الإصلاح المطلوب من داخل الكنيسة .

وقد كان من كبار المصلحين الدنين الذين أرادوا أن تقوم الكنيسة بإصلاح نفسها يوحنا رويخلين ( 1455- 1522) وديزيديروس ليرازنوس ( 1467- 1536) .

أما يوحنا رويخلين فهو (أنساني ) ينتمي إلى الحركة الإنسانية في عصر النهضة ، وتنقضي في الدراسات العبرية ، وكان طيلة حياته المركز الحقيقي لكل الدراسات الإغريقية والعبرية في ألمانيا وقد استعان باللغة العبرية في تفسير العهد القديم أثار بكتاباته ضجة من الجدل وكشف هو وتلاميذه واتباعه عن مساؤيء الكنيسة ، ونقدوا البدع والخرافات التي انتشرت فيها مما أدي في النهاية إلى تكون قسم من الرأي العام معاد لكنيسة روما ولكنه مع ذلك لم يستهدف إطلاقا الخروج علي الكنيسة أو الانفصال عنها وانما كان هدفه أن تقوم الكنيسة بإصلاح نفسها .

أما ديزيدلوس ارازموس فهو أنساني أيضا وهو الزعيم المعترف به في حركة الاستنارة في أوروبا حتي أيام فولتير ، وقد نادي بإصلاح عيوب الكنيسة واسهم في إثارة الرأي العام ضد البابوية والكنيسة وان لم يستهدف هو أيضا الانفصال عن الكنيسة أو الخروج عليها .

وتتمثل أهميته من ناحية الإصلاح الديني : في ترجمته إلى اللغة اللاتينية القسم اليوناني من الكتاب المقدس ، أي الإنجيل أو العهد الجديد وارفق مع هذه الترجمة النص اليوناني الأصلي القديم فكشف بهذه الترجمة الصحيحة ما في الترجمة اللاتينية القديمة للكتاب المقدس والتي راجعها القديس جيروم في القرن الرابع واعتمدتها الكنيسة الكاثوليكية والمعروفة بالفولجات من أخطاء في بعض المواضع وبذلك لم تعد نسخة الإنجيل المكتوبة باللاتينية منذ القرن الرابع شيئاً مقدساً .

وقد كثر تأثير ذلك علي الفكر المسيحي عظيماً ، فإذا كان في وسع الرجل العلماني أن ينفذ من وراء اللغة اللاتينية وهي الرسمية للاكليروس إلى اللغتين الأصليتين اللتين كتب بهما الكتاب المقدس وهما العبرية التي كتب بها العهد القديم واليونانية التي كتب بها العهد الجديد وإذا كانت نسخة الإنجيل المكتوبة باللاتينية والمقررة من الكنيسة الكاثوليكية قد فقدت قداستها ، فقد كان لابد أن تظهر فكرة أن الإنسان يستطيع الاتصال بربه مباشرة دون وساطة الاكليروس ( وهذا بالطبع شطط نتج عن أخطاء الكنيسة ومحاولات الإصلاح الفاشلة هذه )

ومع فشل الكنيسة في إصلاح نفسها بنفسها وعدم استجابتها لرغبات المصلحين انتقلت حركة الإصلاح الديني إلى مرحلتها الثانية وهي مرحله فض الإصلاح من الخارج وهي التي قام فيها مارتن لوثر لذي قام بمحاولات منه لاصلاح العقيدة ذاتها ، فارتكب الشطط وخرج بعقيدة أخري عندما خرج علي عقيدة الكاثوليكية وليس فقط علي فساد الكاثوليكية واكليروسها .

 

الرتيبة فوق قرارات البابا ونارادان يحد من سلطة البابا ، ويمنع عنه بعض الموارد الكنيسة ولكن اتملاء البابا نقولا الخامس في سنة 1447 كرسى البابوية قض على هذه المحاولة الانر الذي أدى إلى فشل حركة المجامع الدينية في إدخال الإصلاح المطلوب من داخل الكنيسة وقد كان من كبار المصلحين الذين أرادوا أن تقوم الكنيسة بإصلاح نفسها يوحنا ويخلين John reuchlin  ( 1455 – 1522 ) ويزيد بروس ايرازمواس desideruis erasmus  ( 1467 – 1536 )

أما يوحنا ويخلين فهو ( أنساني ) ينتمي إلى حركة الإنسانية في مصر النهضة ، وينخفض في الدراسات العبرية ، وكان طيلة حياته المركز الحقيقي لكل الدراسات الأفريقية والعبرية في ألمانيا ، وقد استعان باللغة العبرية في تفسير العهد القديم ، وأنار بكتاباته خيمة من الجدل وكشف هو وتلاميذه واتباعه عن مساؤى الكنيسة ، ونفذوا  البدع والخرافات التي انتشرت فيها مما أدى في النهاية إلى تكوين قسم من الرأي العام معاد لكنيسة روما ، ولكنه مع ذلك لم يستهدف إطلاقا الخروج على الكنيسة أو الانفصال عنها وأنما كان هدفها أن تقوم الكنيسة بإصلاح نفسها أما ديزيد لويس ارانوس فهو أنساني أيضاً وهو الزعيم المعترف به في حركة الاستنارة في أوربا حتى أيام فولتير ، وقد نادى بإصلاح عيوب الكنيسة وأسهم في أثاره الرأي العام هذه البابوية والكنيسة ، وأن لم يستهدف هو أيضا الانفصال عن الكنيسة أو الخروج عليها .

وتتمثل أهميته من ناحية الإصلاح الديني : في ترجمته إلى اللغة اللاتينية القسم اليوناني من الكتاب المقدس ، أي الإنجيل أو العهد الجديد ، وارفق مع هذه الترجمة النص اليوناني الأصلي القديم ، فكشف بهذه الترجمة الصحيحة ما في الترجمة اللاتينية القديمة للكتاب المقدس والتي راجعها القديس جيروم في القرن الرابع واعتمدتها الكنيسة واعتمدتها الكنيسة الكاثوليكية والمعروفة بالفولجانا the vulgate    من أخطاء في بعض المواقع وبذلك لم تعد نسخة الإنجيل المكتوبة باللاتينية منذ القرن الرابع شيئاً مقدسا وقد كثر تأثير ذلك على الفكر المسيحي عظيماً ، فإذا كان في وسع الرجل العلماني أن ينفذ من وراء اللغة اللاتينية وهى اللغة الرسمية للاكليروس إلي اللغتين الأصليتين اللتين كتب هما الكتاب المقدس وهما العبرية التي كتب بها العهدة الديم واليوانية التي كتب بها العهد الجديد وغذا كانت نسخة الإنجيل المكتوبة باللاتينية والمعتمدة من الكنيسة الكاثوليكية قد فقدت قداستها ، فقد كان لابد أن تظهر فكرة أن الإنسان يستطيع الاتصال بربه مباشرة دون وساطة الكاثوليكية قد فقدت قداستها ، فقد كان لابد أن تظهر فكرة أن الإنسان يستطيع الاتصال بربه مباشرة دون وساطة الاكليروس ( وهذا بالطبع شطط نتيج عن أخطاء الكنيسة ومحاولات الإصلاح الفاشلة هذه )

ومع فشل الكنيسة في إصلاح نفسها بنفسها ، وعدم استجابتها لرغبات المصلحين انتقلت حركة الإصلاح الديني إلى مرحلتها الثانية ، وهى مرحلة فرض الإصلاح من الخارج ، وهى التي قام فيها مارتن لوثر بإخلاصه الذي انتهى ألي فرضه بمحاولات منه لاصلاح العقيدة ذاتها ، فارتب الشطط كل الشطط وخرج بعقيدة أخري ، عندما خرج على عقيدة الكاثوليكية وليس نفط على فساد الكاثوليكية واكليروسها .

 

 

 

حركة الإصلاح الدينى فى اوروبا

شملت حركة النهضة الكبرى في أوربا كل نواحي الحياة من ثقافة وفكر وفن فتناولت قضايا السياسة والحرية والديمقراطية ، الفكر الليبرالي في التالف والفن وما لبثت أن وصلت يد الإصلاح العام في أوربا إلى الكنيسة ـ تلك المؤسسة التي سيطرت على كل فكر وفن حتى السياسة ،" وكانت قد كبلت العقل الأوربي أغلال الحرام والحلال فشلت الفكر واسترقت العقول ، ووصف الحدود غير الصحيحة لتحرك كل من يملك فشلت الفكر واسترقت العقول ، ووصفت الحدود غير الصحيحة لتحرك كل من يملك فشلت الفكر واسترقت العقول ، ووصف الحدود غير الصحيحة لتحرك كل من يملك الحركة لدرجة أن خرج عليها الخارجون وانتقدها النقادون ، وقد تصدت لهم كما رأينا بالعنف لإسكات صوت العقل والفكر السليم الجهل ويسود الاكليروس ويحققون ثرواتهم وجاههم .

ألا أنه منذ القرن الحادي عشر بدأت إرهاصات الإصلاح حيث تعرض أهله إلى التعذيب والتشتيت والحرم ، واستمرت هذه الحركة تنمو ويشتد عودها حتى لغيت منها بداية من القرن الرابع عشر ، وقد تقدم للإصلاح الديني عدد كبير من المصلحين نورد أهمهم :

1 – جون ويكليف 1328 – 1384

كان أحد خريجي جامعة اكسفورد وعن أستاذا فيها اختير لان تكون مستشارا دينيا للملك في إحدى خريجي جامعة اللاهوتية مع البابوية ، فكانت هذه بداية عداء الكنيسة له فبدأ يكشف حادة الترف التي كان الاكليروس يحبونها وتورطهم في المشكلات السياسية التي لا شأن لهم بها ، وكانت محبة في نقاشه معهم أفكار القديس اغسطينوس وفلسفته تعرض أيضاً للضرائب التي كانت تفرضها الكنيسة على الأمراء وذوى النفوذ بدعوى العشور وكان البلاد والملوك غير راضية عن هذا الأسلوب ، وفى سنة 1377 طلبة أسقف لندن ليمثل أمامه ليحاكمه ولكن الأمراء والنبلاء وفروالة الجماعة ألا أن البابا أصدر أمر بالقبض عليه ، ألا أن الملك حماه في قصره

آراء جون ويكليف :

1 – هاجم البابا هجوما ما عنيفاً ومباشرا عندما قال : عن الكنيسة ليست متمركزة في البابا والكرادلة لكن في شركة المؤمنين حيث يكون المسيح موجودا ورئيسا لها كما أن ليس للبابا قوة في الربط والحل اكثر من أي كاهن ، وعندما مسألة الإيمان أنه لا يحب على أي إنسان أن يتبع البابا أو حتى أحد القديسين ألا عندما يفتدى هؤلاء بالمسيح " لانه بعد ذلك وحل به الأمر إلي أن وصف البابا بعدد المسيح

 2 – اختلف جون ويكلف مع الكاثوليك بالنسبة لسر الافخارستيا فالأصل هو استحالة الخبز والخمر جسد الرب ودمه ، أما هو فأمن بأن الجسد والدم كانا حاضرين حقاً ، لكن لم يكن هناك تحويل وتغيير في الخبز والخمر ، وكان هذا أساس فكر لوثر فيما بعد ولهذا اشتدت معارضة البابا ورجال الاكليروس له ، وفي سنة 1382 وأن كبير أساقفة كنتريرى افكارديكلف ، ومنعه من إلقاء محاضراته في جامعة اكسفورد لكن بسبب حماية أصدقائه له لم يستطيعوا مهاجمة ، ومات سنة 1384 ترجم ويكليف الكتاب المقدس إلى اللغة الانجيلزية الدراجة من لفة الفولجاتا اللاتينية لأن يبدو أنه لم تكن يجيد العبرية واليونانية ، ألا أنه بهذا استطاع أن يوصل كلام الله الرجل الشارع والفقير والجاهل الذين كانوا محرومين منه ، ولكن كانت المعارضة تصفه بأنه ألقى الدور قدام الخنازير " ومالتيت ترجمته هذه أن منعت في سنة 1408

ومن كلماته عن الكتاب المقدس " أنه لا شئ يجب الإيمان به ما لم يكن مؤسسا على هذا الكتاب ، ولا يجب إضافة شئ لتعليمة ... هذا الكتاب هو الحق الكامل الذي يجب أن ندرسه ويدرسه كل مسيحي ، فهو نموذج لكل منظور ، وأذا كان التكلف في اكسفورد يتغير في كثير من الأحيان ألا أن الأسفار المقدسة نعم نعم لا لا ، فهلا لا تتغير أبدا ، لأن كلمة الله باقية إلي الأبد

من جهود وتكليف في الإصلاح أيضاً :

نظم ويكليف فريقاً من " الكهنة الفقراء " الذين تجولوا كارزين في الأرياف ، على منال الوالدانيين ، مرتدين ابسط الثياب ، يمشون حفاة ، وقد ازداد عددهم بعد موته ، وأصبح لهم تأثير كبير مكنهم من تقديم مشروع قانون في البرلمان استنكروا فيه أدانوا رذائل الكنيسة لكن بحلول عام 1401 قويت المعارضة حتى أجازوا قانونا يدين الولاديين باعتبارهم هراطقة فإذا قبض على أفراد منهم كان لابد من إعدامهم حرقا ، فمات منهم عدد كبير بهذه الطريقة ومع ذلك بقيت الحركة لعديد من السنين .

جون هس 1373 – 1415

وهو رجل الإصلاح في بوهيميا ( لتشيكو لوفاكيا الان ) ، ولد من أبويين قرويبن 1373 . وتعلم في جامعه براج ، وبعد حصوله على درجتين البكالوريوس والماجستر رسم للكهنوت 1401 ، واستمر ا استاذا في الجامعه ، فاهتم بأعمال جون ويكيلف ، وانقسم الدارسون حول فكره هل تأثر حقيقة بفكر تكليف أم لا ، ألا انه نبت فعلا انه تأثر به .

كان هس يكرز ويفط في إحدى كنائس براج جاذبا إليه انتباه الجمهور الفقير ، وكان له أعداء في الكنيسة والجامعة ، كان ذلك وقت الشقاق البابوي ، وكان الولاء في بوهيميا منقسما وجادل الملك أن يكون مخابرا أو ساند هس وزملاءه في الجامعه ، وكانت الجامعه نفسها بنقسمه بين الاحزاب الألمانية والبوهيمية ، الفريق الألماني انفصل ليكون جامعه ليبنرج واصبح هس مدير الجامعه البوهيمية التي أصبحت الان معهدا احفروا ضعف ، ألا انه نظر إليه بارتياب اكثر فاكثر ، ليس فقط من العصبه الألمانية الأكاديمية اكن أيضا من الكنيسة رئيس الاساقفه براج الذي كان في وقت سابق متعاطفاً مع هس ، اصدر بتشجيع البابا أمرا بحرمان هس ، لكن الملك والشعب احتجوا لان هس كان اصبح وقتئذ رمز للوطنية واستمر في هجماته علي البابوية خصوصاَ علي بيع صكوك الغفران ، مرة أخري صدر الأمر البابوي بحرمان هس ووضعت مدينة براج تحت الحرم البابوي ، وحرمت عليها كل المواسم الدينية .وحرصاً علي سلامته فاقنع الملك جون هس أن يختفي كانت هذه هي الفترة التي آلف فيها اشهر أعماله ( عن الكنيسة)

وبسبب سيرة وراء آراء جون ويكليف التي أدنيت من الجامعه ومن البابوية ، نظر إلى جون هس كجزء من الثورة التي بدأت . والذي هدد حياة الكنيسة ذاتها ، قالوا " انه يمثل نوعا من الفوضوية ، وهو المبدأ الذي كان يدعو إلى نبذ البابوية ، وان يداس الاساقفه تحت النعال ، والي تكسيح الرهبنة واستفزاز الثورة السياسية الاجتماعية " ربما لم يفطن هس نفسه في بادئ الأمر ، ألا انه كان ينظر إليه كشخص خطير جداً يستحق اقس الإجراءات ، وفي 1414 دعي مؤتمر في كونستانس وصدر قرار بابوي بحرمانه وسجنه كما أدان المجلس ويكليف وامر أن يحرق جسده الذي سبق دفنه من مده طويلة .

ألا انه بعد ذلك حكم عليه بالهراطقه واحرقوه علي قائم خشبي في 6يوليو 1415 .

 

 

نهضة إحياء للعلوم :

شهد القرن الخامس عشر في أوروبا نهضة مشرقة تمهد السبيل إلى الإصلاح المنشود ، وهي ما سماها المؤرخون ( أحياء العلوم والآداب theremaissance ) حيث كانت الشعوب الغربية مبهورة بالاكتشافات الحديثة التي أعلنتها البرتغال واستهوتهم أيضا الاكتشافات العملية والأفكار الأدبية والغنية التي أعلنها العلماء والفنانون وكانت كتابات اليونان والرومان القديمة هي قناديل الفكر في تلك الفترة ، مفاد أليها الأوربيون ليترجموها لتكون قاعدة انطلاقهم الجديد ، وفي هذه الإثناء انهارت الإمبراطورية الرومانية الشرقية في يد الأتراك وتسقط القسطنطينية في أيديهم ، فيفر منها العلماء إلى الغرب حاملين معهم كتبهم وثقافتهم القديمة وتبدأ أوروبا كلها لتكشف التقارب عن كنوز اليونان القدامى كما ساعدت الجامعات حينئذ علي التعمق في هذه العلوم ونسخت الكتب وطبعت لاول مرة بعد أن اخترع يوحنا جوتنبرج الألماني اله الطباعة وطبع علي رأس ما طبع الإنجيل المقدس وقد دبت هذه النهضة الجديدة أولا في إيطاليا ومنها انتقلت إلى أنحاء أوروبا ، ولكن كثيرين في تعبدهم للآداب الوثنية القديمة بدأو يرتدون إلى الوثنية ويحتفظون بالمسيحية اسما ، مما اصبح خطراً أخر علي الكنيسة ( انظر نتيجة الكنيسة لأولادها في حين تري العكس في كنيستنا القبطية في هذه الفترة رغم ما كان فيها من الاضطهاد ) لذلك نري في أواخر القرن 15 وخلال القرن 16 رجالا عظماء ينهضون لصد هذا التيار الإلحادي والعبث الديني ، ويكافحون في سبيل إصلاح الكنيسة حتى الدم مثل .

 

سافونارولا :

وهو أحد الرهبان الذين هربوا في تلك أيام من أباطيل العالم وشروره ولجأوا إلى حياة الرهبنة فكان دافعه استياؤه من الكنيسة ومن الانحطاط الذي وصلت أليه وكانت في نظرة أشبه بفاجرة متنكرة ثوب سيدتها التي كانت قد طردتها لتحل محلها ، فلم يسعه ألا أن يفتح فاه ويرفع صوته شاكيا أليها فساد الكنيسة وظلم الدولة فكان لمناداته وقع عظيم في فلورنسة في إيطاليا ، حيث كانت الجماهير الحاشدة تزدحم في الكنيسة لسماع عظاته ، وقد تاب الكثيرون علي يديه واستدعاه حاكم المدينة المستبد والذي كان يدعي لورنز دي مديتش وكان علي فراش الموت واعترف له بخطاياه وتنبأ سافونارولا الشاب الجريء عن قضاء الهي وشيك الوقوع علي المدينة ما لم تتب عن أخطائها وقد صدقت نبوءته إذ غزا ملك فرنسا البلاد ، وانقلبت الأحوال واصبح اسم سافونارولا اشهر من نار علي علم حتى لقد انتخبته الشعب ليفاوض ملك فرنسا في أمر الصلح واخطر الملك الغازي تحت تأثيرة وقوة ضجته وتهديده بان أهل فلورنسا سيدفعون الظلم ويجاهدون في سبيل حريتهم إلى أخر رجل أن يخلي المدينة ويرحل عنها بجنده ، وكان هذا تماما لنبوة ثانية نادي به الراهب سافونارولا ، مما رفع شانه في عيون الشعب وإذ ينقضي عهدا استبداد واسرة  المدينتين نتيجة إليه الإبصار كالزعيم المرموق ، فيشير على الشعب أن يشيدوا المملكة على مبادئ جديدة من الحق والبر ، كي يغدو صاحب النفوذ المطلق في وطنه . يستخدم كل مواهبه وسلطانه لخير الآنه والبلاد ، غير عابثى براحته وحياته حتى أنه لم يعتزل حياة الرهبنة بل ظل يجاهد نفسه في التقشف والعنية الخشنة . وقد أطاعه الشعب وصاحوا بأسماعهم إلى نصحة وارشاده ، فأعادوا النظام الدستوري والقوا المحاكم القانوينة ، وقضوا على فساد الآداب وانتعشت المدينة بحياة دينية جديدة وسليمة .

ولكن كان ساقونارولا له أعداء ، فقام الذين اخبروا من إصلاحه وأشار عليه الجهال من الشعب فأنكروا خدمته لبلادهم ، وتكريس نفسه للخير العام ، وتآمروا على إسقاطه وقد سنحت لهم الفرصة عاجلاً ، فإن سافونارولا لم يقنع بإصلاح المدينة ،" بل كان يحلم بإصلاح البابوية ، فرح يشهر بالبابا الكسندر ، ويطلع الناس على عيوبه ويدعو الملوك المسيحية إلي عقد مؤتمر عام للبحث في القضية ولكن قوة العالم صدمته وبطشت به فحرمه البابا الكسندر وساعد أعداءه فقبضوا عليه وعذبوه أهانوه واحرقوا كتبة ومؤلفاته ، ثم علقوه في اليدان الكبير بمدينة فلورنسا من رحيله واحرقوا جسده بالنار .

لم تفلح النهضة العملية في إصلاح حال الكنيسة لأنها كانت نهضة وثنية في قلبها وجوهرها ورضيت أن تخضع في الظاهر السلطة الكنيسة لأنها لم تكن تعنى بالحق المسيحي ، وعنيت فقط بالحق الإنساني في المجرد ، ولم يكن إحياء العلوم والآداب إحياء للأخلاق ، فلقد ظهرت في الدينة والد ويلات الإيطالية طفاة أشرار متجبرون ، احتقروا كل شرائع الآداب والأخلاق واشهد التاريخ من قبل مجتمعا تلمت ثقافته الرفيعة ، واحضبت مواهبه وملكاته ، وظهرت فيه قوى الابتكار آلتي أبدعت روائع الفن ، ومع ذلك تحرفيه الفساد والتعفن الأخلاقي نقول ما شهد التاريخ ، والمجتمع الإيطالي في النصف الأخير من القرن 15 ، ويكيفه أن يكون المجتمع الذي انجب قيصر بورجيا . وهو ابن اسكندر بورجيا أحد باباوات ذلك العصر ،" الذي كان مثله ومثاله ، هذا العصر السئ الذي كتب فيه ميكافيللى كتابه ( الأمير ) الذي مجد فيه أنانية الأمراء القاسية الباردة الخليقة ، وحتى حين تنظر ألي صور الفداء والقديسين التي أبدعها فنانو ذلك العصر ، والى روائع روفائيل الفنان العظيم نحس على الرغم من جمالها وروعتها وسموها بأنها مبتكرات إنسانية خلت من الروحانية

وفي تلك الفترة تولى شئون الكنيسة رجال أمثال الفاسد اسكندر السادس ( 1492 – 1503 ) ويوليوس الثاني ( 1503 – 1513 ) وليون العاشر ( 1513 – 1521 ) وهؤلاء الباباوات ، ولو انهم لم يخلو من بعض المحاسن ، كانوا رجال دينا بعيدين عن الدين ، فأسكندر السادس من أل بورجيا الأسبانيين ، كان رجل دنيا تماما ، والحقيقة أننا لا نستطيع أن ندافع عن مسلكه ، كما أن المؤرخين – حتى الذين كتبوا منهم تحت إشراف الكنيسة لم يستطيعوا تسويق أعماله واخلاقه ، ورغم هذا كله لم يهمل واجباته الدينية ، أما يوليوس الثاني فكان من اعظم باباوات روما ، وهو الذي عمل على إعادة بناء كنيسة القديس بطرس والتي تعدا أعجوبة في عالم بناء الكنائس ، وهو الذي استخدم أعاظم الرجال الفنية من أمثال روفائيل وميخائيل انجلو ، وكان رجلا قليل الشهوات لا يؤخذ عليه شئ في ملكه أيام توليه عرس البابوية ، ومع ذلك كان رجل دنيا فكان يجب أن يسير الجيوش على خصومه ، ويتولى قيادتها بنفسه ، ويحاضر المدن ويلبس أحيانا البدلة العسكرية أما ليون العاشر فهو من أل مدينتى ، وكان يشجع العلوم والفنون ويقال انه اولع بكتب القدمين حتى كاد يفضل أساطير الوثنين على حقائق المسيحية ، وكان رجلا شديد الحيلة والدهاء متقلبا في سياسته .

وكان الرهبان قد صاروا طبقة ممقوته في الكنيسة ، فهم أرادوا الفراء من العالم وتركوا كل شئ ، ولكن العالم الشرير الأثيم الذي حملوه في قلوبهم تعقبهم في عزلتهم في البرية ومناسك الزهد ، وابتلع العالم وشهواته جهود الرهبان وجهادهم ألا انه كانت هناك قله منهم صمم الذين تمسكوا بأهداب الدين والرهبانية السليمة وبأساليب التقشف والزهد الحث الآن على الأخيار الصالحين بأن الإنسان لن يقدران أن يخلص نفسه وأن أعمال الناموس الذي  يبغض الخطية ويفتقد المذنبين إلي الجبل الثالث والرابع تلك كانت النظرية الدينية الجديدة التي ألحت على الراهب لوثر على القيام بثورته

مارتن لوثر :

كان هم ما أثاره هو موضوع الغفران ، فقدا من الكاثوليك أن كل أعمال الشر تنال جزاءها أما في هذه الحياة أو في تلك الفترة التي تعقب الموت والتي سموها ( المطهر ) والتي تتأهب فيها النفس للسعادة الخالدة ، وقد آمنوا أن البابا يستطيع أن يقصرها نتيجة الغفران للأحياء والأموات ، وكانت تلك الغفرانات تباع بالمال على أن وكلاء البابوية أساءوا استخدم هذه أيضاً ، واتخذوانها وسيلة لا تبزاز الأموال ، وإلا وهى إنها قلب الله وتخجل الكنيسة ، وقد دخل كثيرون من أخيار الكاثوليك ضد هذه المساؤى ، وسفهوا علينا تصرفات بائعىصكوك الغفران

وفي سنة 1517 اصدر البابا ليون العاشر غفرانا لما للشعب شاملا العالم المسيحي كله ،" وكان الفرص منه الحصول على المال الازم لا تمام بناء كنيسة القديس بطرس في روما ، وكان رئيس الأساقفة البرت منيز وكيلا عن البابا في بيع الغفرانات في بعض أجزاء الإمبراطورية الألمانية يومئذ ، ولكن قبل أن نصف الأموال التي جمعها من أبرشية اغتصبها لنفسه وسدد بها بعض ديون التي كان قد افتراضها ، ومن تم نري هذا النظام الذي وضعته القرون الوسطى يتحول الآن إلى تجارة حقيرة كان لوثر في ذلك الوقت راهبا حسب نظام القديس اغسطينوس كما كان أستاذ العلوم الدين وراعيا لكنيسة ويتبرج ، وكان يرى التائبين الذين يعترفون له بخطاياهم ، والذين اشترط عليهم الندم والتوبة وانسحاق القلب ، يقدمون له صكوك غفرانهم بديلا ، فأحس بأنه قد أهبه في خدمته وفي أقداس واجباته ، وكان قد لهم في صراعه الروحي ، وبوحي رئيسه وبعض زملائه أن الإيمان هو الشرط الكافي الوافي للتبرير ،" وقد استمأزت طبيعته الدينية من تدنيس هذه الظواهر الروحية الداخلية ، ومن " بيع النعمة بالذهب " وفى عشرة حماسه أعلن باب كنيسة ويتنبرج بحوته الخمسة والتسعين عن منح الغفران ، وكان قد كتبها باللاتينية ، وعلى حسب عادة ذلك الزمان تحدى فيه الخصوم ودعاهم إلي حوار علني ، وكانت مكتوبة بأسلوب وصياغة تثير تفكير الخاصة من العلماء دون العامة في الشعب الألماني ، وقال أن غفران الخطايا يمنح لكل مسيحي يتوب ويندم بدون الحاجة إلي صك ، وإن غفران البابا ليس ألا إعلانا للغفران الإلهي ، وان إنجيل نعمه الله يابى التصرفات المخزية التي يقترفها تجار منح الغفران ولم يكن لوثر يقصد مهاجمة البابا أو نظام الكنيسة ، ولكنه أحس أن الحبر الأعظم حين يقف على المخازى التي يقترفها وكلاؤه في حق الناس يؤثرا أن تهدم كنيسة الفريسى بطرس وتحرق بالنار على أن تبنى على دماء الشعب وعظامه ،

أحس الراهب لوثر انه يدافع عهن وجهه نظر البابا ويفضح المتاجر به الاثنين ، ولكن المعركة التي اضطر إلى خوضها في سبيل عقيدته ساقته سوقا إلى الشطط الذي إليه فيما بعد ، واخطر إلى أن يعلن جهرة أن الإيمان الذي استقاه من الأسفار المقدسة ، والذي بات مصدر قوته وحياتها يناقض العقائد التي اندست في خلال القرون الوسطى وحسب ربل نظام الكنيسة الحالي كله ، على أن مع ذلك ارتضى بناء على رجاء بوعدهم وطلبوا أقامه مناقشه علينه له في ليبنرج ، فأحس لوثر انه اصبح في حل من تعهده ، وراح يقارع خصومه وجها لوجه ، واخطر أن يصرح علانية أن سلطة البابوية في ألمانيا أن يصمت بشرط أن يصمت خصومة أيضا  علي أن هؤلاء لم يبروا بوعدهم وطلبوا إقامة مناقشة علنية له في ليبزج ، فأحس لوثر انه اصبح في حل من تعهده وراح يقارع خصومه وجهاً لوجه واخطر أن يصرح علانية أن سلطة البابوية ليست ذات مصدر الهي وأنها من ابتكارات تطور التاريخ أشبه بسلطة الإمبراطور الألماني وان الاعتراف بهذه السلطة ليس من مقتضيات الخلاص .

اتخذ لوثر الخطوة الحاسمة وبعد أن رفض المثول بين يدي البابا الذي استدعه في روما وبعد أن جاهر في مناظرة خصومه بان لا يؤمن بالسلطة البابوية وبعد أن نشر عقائد إيمان الكنيسة باللغة الألمانية لكي يفهمها الشعب وبعد كل هذا لم يكن بر من اللجوء إلى الشعب الألماني ذاته بألفاظ تستعر بنار الحماس مناديا إياه أن يطالب بحرية الفرد في الدين .

والذي هدف إليه لوثر ألان هو أتشاء كنيسة ألمانية قومية مستقلة وحرية الإفراد في كثير من الشئون الدينية فقد أعلن مثلاً أن الرجال والنساء أن يكونوا رهبانا وراهبات إذا شاءوا ولكن من حقهم أيضا أن يهجروا الأديرة إذا لم تطمئن نفوسهم إلى هذه الحياة واصر علي أن خلاص الناس رهين بالإيمان بالله لا بالأعمال الصالحة التي يعملونها .

وقال أن صلوات البشر واعمالهم ينبغي أن تصدر عن وازع محبه الله والاعتراف بفضله وهو المشفق الرحوم غافر الذنوب ولم يقبل أن تكون الصلوات والأعمال الحسنة بمثابة رصيد حساب روحي يستعين علي نيل الخلاص .

ومما علم به أن حياة الرهبان والراهبات ليست اسمي من الذين يخدمون الله بأعمالهم اليومية في مفترق الحياة ، أمن بان الكهنة رجال عاديون اختبروا لتمثيل الشعب وقيادته في العبادة فقط وليسوا أشخاصا خلقت عليهم الكنيسة نقودا وخواصا لن تنزع منهم .

وكان من جراء هذا كله أن حرمة البابا وامر بإحراق كل كتاباته فما كان من لوثر ألا أن احرق كتاب ( قانون الكنيسة ) وانثني طلابه ومريدوه في انفعال شديد يحرقون الرسالة البابوية ومؤلفات خصوم زعيمهم في مدينة ويتنبرج .

وعند ذاك كان الأمراء الألمان السبعة الذين حولهم اختيار الإمبراطور قد بايعوا تشارلز الخامس ملكا عليهم ، فاستدعي تشارلز لوثر إليه ليجهر بعقائده أمام الجمعية الوطنية ( مجلس النواب الألماني ) في مدينة ( درمس ) ، فانطلق مع بعض أنصاره في عربة مغطاة وأمامهم المنادي الإمبراطوري وقد رفع علمه الأصفر ذا النسر المزدوج دلاله علي انهم في حصن الإمبراطور ، وكان لوثر يخطب في الناس في كل مكان يقف فيه في الطريق ، فأثار حماس الجماهير الصاخبة واندفع الناس من بيوتهم يحيونه وهو داخل المدينة وفي أثناء انعقاد مجلس النواب كتبت علي الجدران عبارات تهديد تنبئ بان الثورة ستكون مسلحة إذا أصاب لوثر مكروه وعندما وقف لوثر أمام الإمبراطور في اليوم التالي قرر في غير مواربة انه لا يتقيد لا بأوامر البابا ولا بقرارات المجامع العامة ، وهو لا يخضع ألا لضميره ولأسفار الكتاب المقدس وختم كلامه قائلاً " علي هذا عاهدت نفس وسأكون علي العهد مقيماً أعانني الله "

ثم عاد لوثر إلى مقره وكان الإمبراطور تشارلز الخامس يلتمس في ذلك الوقت فضلاً من البابا فعزل الأمراء الالمان الذين انتصروا للراهب مارثن لوثر ، تم استدعاء الباقين أعلن فيهم أن لوثر خارج علي القانون وقد حدث ذلك قبل أن تمضي عشرون يوما علي منا درة لوثر المدنية .

علي أن الضارة كانوا متأهبين وبينما كان في طريقه خرجت مجموعه الخيالة من غابه واوقعوا العربة وحملوه معهم وهناك في قلعه ورتبرج الكبرى أخفاه آمر ساكوني ووضعه تحت حمايته وقد بقي مدة متخفيا في بذله فارس فقير ، ومن مخبأة كتب رسائل إلى أصدقائه وأنصاره وهناك شرع أيضا في ترجمه العهد الجديد إلى اللغة الألمانية بعبارة سهله الفهم وترجم فيما بعد بمعونة علماء آخرين أسفار العهد القديم أيضا.

وكانت ألمانيا في ذلك الحين علي حال من الفوضي والاضطراب ، فالإمبراطور كان اكثر الوقت متغيبا في أملاكه ، وكان يكون كل أمير مستقلاً في إمارته أما الفلاحين الكادحون والفرسان الفقراء فقد انطوت نفوسهم علي التمرد والمرارة وعضد الناس لوثر سوقين إلى ذلك بعوامل متباينة ، فبعضهم ناصره لكراهيتهم الضرائب التي فرضها البابا ورغبتهم في أن يديروا ألمانيا الحرة المتحدة والبعض الأخر كالفلاحين توسموا أن تكون مناداته بالحرية المسيحية وسيله لإعتاقهم من أغلال العبودية واخرون يهدفون أن يهدموا كل الأشياء من النظم القديمة وخلق عالم جديد .

أغلقت الجامعة في ويتبرج وعطلت العيادة في الكنيسة واضطهد الرهبان والراهبات وبات لوثر في موقف حرج خانق ، فهو لم يرد أن يحطم كل النظم القديمة ولا أن يفرض تعاليمه علي الشعب فرضا وخشي نشوب ثورة اجتماعية تذهب بكل جهوده وتعاليمه ، فاضطر أن يخرج من مخبأة ويهدئ ثائرة الشعب في ويتنبرج حتى عادت الأمور إلى مجاريها ، وجاهد لإخماد ثورة الفلاحين ، علي انه حينما فشل في ذلك واشتدت الثورة وهاجم الثوار القلاع والأديرة حرص الأمراء علي قتلهم وإخماد ثورتهم في غير هوادة ولا رحمه . ولكن لوثر ندم علي ذلك فيما بعد وأنب نفسه علي هذه الغلطة .

غرست الآراء التي أذاعها لوثر في أوراق كثيرة من ألمانيا ، وراح هو بقيه حياته يعلم وينشر دعوته وينظم الكنيسة الجديدة ويتعهد حياتها وثقافتها ، وقد تزوج من ( كاترين فون بورا) التي كانت راهبة ، وعاش وإياها حياة هنية مع أطفالها في البناء الذي كان قبلاً ديرا له في ويتنبرج وهناك كتب المؤلفات الدينية ونظم الترانيم التي يرددها البروتستانت ألان .

ولما تفشي الطاعون ف ويتنبرج ظل لوثر فيها بين الشعب ، وهكذا نشأت الكنيسة البروتستانتينه نتيجة عيوب رجال الاكليروس الكاثوليك وشطرت الكنيسة الغربية شطرين ولم ينقضي وقت طويل حتى ساءت العلاقات بين الفريقين وشك كل واحد في نوايا الأخر وبدأت تفرق أوروبا في حروب دينية اتسعت بها الهوة وانتشر التعصب الديني .

وبعد موت مارثن لوثر خرج شخص أخر ليخلق نظاما جديداً يؤكد به حق الكنيسة المطلق في الحرية والاستقلال عن الدولة وهذا الشخص هو .

 

جون كالفن 1509 – 1564 :

كان كاثوليكيا فرنسيا من الأغنياء المثقفين ، وقد أراد له أبوه أن يكون كاهنا ولكنه عدل عن ذلك ليكون محاميا وفيما هو يدرس القانون تعرف علي اثنين من علماء البروتستانت كان أحدهما يترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الفرنسية وكان الأخر يدرس العهد الجديد في اليونانية ،وبفضل تأثيرها عليه راح يدرس الكتاب المقدس واقتنع بعقائد البروتستانت وكان كالفن مفكراَ نابها منظما موهوبا . فصار في قليل من الزمن رغم الجماعة البروتستانتية في باريس ولما هبت عاصفة الاضطهاد فر إلى سويسرا لكي تواتيه الفرصة للدفاع عن قضيته ومحاولة إقناع ملك فرنسا وكان الملك يحب علماء البروتستانت ولكنه كان كاثوليكيا خاضعاً لنفوذ أمه المتعصبة ومشيريها الذين ادخلوا في روعه شر العقيدة البروتستانتية وانهم خارجون علي القانون .

وكان كالفن أول من كتب تفسيراً ودفاعا عن العقيدة الجديدة ، كتبه أولا باللاتينية الفصحى ثم نقله إلى اللغة الفرنسية ، أهداه أولا إلى ملك فرنسا ، ثم نشره بين الناس ، فكان لتفكيره الرائق وعلمه اثر في هذا .

وفي السنة التي صدر فيها هذا الكتاب وهي سنه 1536 كانت مدينه جنيف بسويسرا قد أسست أول كنيسة بروتستانتية ،ونصبت عليها كاهنا فرنسياً ،ولما بلغ الراعي نبأ قدوم كالفن بحث عنه ألح عليه أن يبقي في المدينة ويتخذها مركزا لدعوته .ومن هنا صارت مدينة جنيف السويسرية مركزا هاما للبروتستانتية .

ولقد انطوت حياة كالفن علي عقيدتين أ- عظمه الله وجلاله ، فالله يعرف كل شيء يحدث وهو يسمح به .

ب-حياة البر ، فالبشر أحرار في الإرادة ومسئولون حين يختارون الخير أو الشر كما وضح للكنيسة نظاماً إصلاحيا في نظره جاري فيه نظم لوثر علي أساس أن العظة هي عنصر العبادة المسيحية ، ولكنه أصر علي إجراء ( الشركة المقدسة ) كل أحد ( أي التناول) علي أن يمتنع عنها كل الآثمون ، وهؤلاء ينبغي أن يعاقبوا بأيدي سلطات مدنية بناء علي أمر الكنيسة حتى تصلح سيرتهم وحياتهم .

                       

أما هذه الحركة الإصلاحية التي ظهرت في تمرد الكنيسة البروتستانتية وخروجها علي الكاثوليكية ، حاولت الكنيسة الكاثوليكية نفسها إصلاح أحوالها ، وقد علم هذا الفعل الرهبنة اليسوعية التي أنشأها اغناطيوس لويولا ومجمع ترنت الذي انعقد في عام 1545 .

 

أغناطيوس لويولا 1491 – 1556

 

في سنة 1521 أصيب فارس أسباني شاب اسمه أغناطيوس لويولا بجرح خطير في معركة بين الأسبان والفرنسيين , وأثناء مرضه طلب أن يقرأ بعض القصص فقدموا له بعض سير القديسين , فتحول بعد قراءتها إلى خادم للمسيح وقائد الجماعة من الخدام في العالم

بدأ حياة الجهاد بالتعبد في كهف , وهناك كتب صلوات وتأملات روحية ( الرياضات الروحية ) التي مازال يصلى بها إلى اليوم . نعلم اللغة اللاتينية مع صبية المدارس ثم دخل الجامعة الإسبانية , ثم جامعة باريس حيث ألتف حوله أنصاره الذين عرفوا باليسوعيين ( الجزويت )

وقد شرع هؤلاء اليسوعيين فى مكافحة مساوئ عصرهم بالدعوة والتعليم وسماع الاعتراف وإغاثة الفقراء وتلقين الأطفال عقائد الدين , وأظهروا للبابا كل الولاء وتفانوا فى خدمته وإطاعة أوامره , وقد نذروا عذرويتهم للرب وتركوا مقتنيات العالم  ,وعاشوا حياة مروضة خاضعة لصفوف الحرمان والإذلال دون تذمر .

ومن أوائل أتباع لويولا القديس فرانسز سافير , وهو من النبلاء الذين أستوطنوا المنطقة بين فرنسا وأسبانيا . وكان قد ألتقى يويولا فى جامعة باريس , وكان يرتل الأناشيد الدينية فى الطريق ويخدم الفقراء فى المستشفيات , وأنطلق إلى روما سيرا على قدميه ولما أمره رئيسة يويولا للتبشير فى الهند حيث أسس البرتغاليون مستعمراتهم أطاع وذهب إلى هناك . ورحل فى سفينة برتغالية مما كانت معه رحلة خطرة وصل الهند بعد 13 شهرا قضاها فى العناية بمعرض الطاعون الذين كانت تحملهم السفينة وإعداد طعامهم وغسل ثيابهم .

ولما وصل إلى الهند أخذ فى تعليم الدين وتعليم الأطفال هناك وتعميدهم . وكان الأطفال يسيرون خلفه ينشدون التراتيل , وترجم لهم الصلاة الربانية وقانونا الإيمان والوصايا العشر وتسبحة السيدة العذراء وغير ذلك , وأرسل من تلاميذه إلى سيلان , أنا هو فقد رحل إلى ملقاتم إلى اليابان , حيث أعتنق ثلاثة من نبلاء اليابان المسيحية على يديه وفى 1552 أبحر إلى الصين ووصل إلى جزيرة سان تشان حيث مات هناك وعلى يد هؤلاء اليسوعيين تأسست كثير من المدارس والأديرة والكنائس الفخمة , ولا أنهم عقدوا العزم من خلال هذا النشاط أن يفنوا البروتستانتية باعتبارها عدوتهم .

 

 

مجمع ترنت

عقد فى 1545 حضرة الكاثوليك وأدار مناقشات الإيطاليون واليسوعيون , وكان دفهم تدعيم البابوية وتسفيه البروتستانتية , وقد شرح ذلك المجمع العقائد الكاثوليكية بإيضاح وجلاء وخصوصا ما كان محل جدل وشك لدى البروتستانت , وأكد المجمع على الأساقفة ورجال الدين أن يتولوا تعليم الشعب , أن يمتنعوا عن حياة البذخ وأن ينشئوا المدارس الدينية لتعليم القساوسة وتدريبهم

وظهرت بين هذا المجمع روح الإصلاح الجديدة مع حزب الكهنة , وكأنما أيقظها نزاعها مع البروتستانتية

 

 

الإصلاح الدينى فى انجلترا

 

 

لم تتخلف إنجلترا عن ركب الإصلاح الديني ، ففي الوقت الذي كانت تجتاح الكنيسة رياح التعبير والإصلاح والتنافس مع الكنيسة البروتستانتية الوليدة ، كانت في إنجلترا ثلاثة أحزاب ترنو ألي الإصلاح    أ- الكاثوليك الذين أرادوا إصلاح المساؤي القديمة واسترداد السلطة البابوية .

ت‌-   البروتستانت الذي رغبوا في القضاء علي كل شيء له مساس بالكاثوليكية .

ث‌- حزب بين بين،  ولم يرد أن يكون للبابا سلطان علي إنجلترا علي أن تحتفظ الكنيسة الكاثوليكية بطابعها الكاثوليكي والطقوس والتقاليد القديمة بعد تنقيتها من المساؤي التي علقت بها .

وقد انتصر الحزب الثالث لفكرة السلطة الملكية بديلاً عن السلطة البابوية بان اخضعوا الكنيسة لسلطان الدولة خضوعاً لم تتحرر منه حتى اليوم .

وكان كذلك في إنجلترا جماعات من متطرفي البروتستانتية ، عاشوا علي الصرامة والتزمت والتدقيق في حياة الطهر والتقوى ولذلك سموا ( الطهوريين) .

وكان منهم من رغب في النظام الأسقفي في الكنيسة بينما أراد آخرون أن يقيموا النظام المشيخي ، ورأي فريق ثالث أن تتألف الكنيسة من جماعات مسيحية تختار رعاتها وتكون حرة في أداء شعائرها دون تدخل من الدولة أو أي سلطة مركزية كنسية ولذلك سموا بالمنشقين أو المستقلين .

وقد رغبت هذه الجماعات الحرة عن كل الطقوس الخارجية في العبادة وكل أشكال الصلوات الوضعية ، وكل الرموز وكل النقوش في الكنائس ولم تقبل حتى الحركات المألوفة في العبادة كالركوع والجود ورشم الصليب ، وذهبوا مع كالفن في العبادة ، أصروا فقط علي الحياة المسيحية الطاهرة تحت رقابة راعي الكنيسة لذلك كان أولئك الطهورين أمناء أطهار أقوياء ليس منهم السكير أو الشرير وكانوا ضيقي الفكر فريسي النزعة ولذلك تعرضوا للاضطهاد والغرامات والسجن حتى فروا إلى هولندا ، وكانت هولندا مفتوحة لكل نشاط بروتستانتي ، وكانت الحياة قاسية عليهم هناك حيث عملوا في أي عمل لكسب لقمة العيش ، ولكنهم لم يغيبوا عن ملاحقة منافسيهم الذين كانوا يقبضون عليهم ويحرقون كتبهم ويعذبوهم ، ففروا إلى العالم الجديد ( أمريكا) ليعيشوا هناك ولما راسوا علي أول منطقه عاشوا فيها وسموها ( بليموث) وسميت طائفتهم باسمها .

وكان رائدهم هناك هو جون روبنسون .

 

 

يوحنا بنيان :

نشطت حركة الاستقلاليين في إنجلترا خصوصا بعد زوال الملكية مؤقتاً بعد قتل الملك شارل الأول ، وقامت جمهورية كرومويل 1649- 1661 ، وثاروا في عهدهم وكسروا التماثيل في الكنائس وحطموا نوافذ الكنائس والات الموسيقي فيها واحرقوا الملابس الكهنوتية ، وفي عهد كرومويل هذا اشعل النار البروتستانتية وظائف الكنيسة ، وما أن عادت الملكية مرة أخرى حتى القلب الوضع ، وانتقل النفوذ والسلطان ألي كنيسة الدولة الرسمية من جديد ، وسنت الشرائع الصارمة تفرض علي رجال الدين الخضوع لقوانين الكنيسة ، وعدم ممارسة التعليم والوعظ قبل الحصول علي تصريح رسمي ، وفرض علي الكنيسة ورجالها أن يقسموا غيبيا بطاعة الملك وقوانينه ، فامتنع عدد كبير منهم وتحدوا القانون فتعرضوا للسجن والتشريد فلجأوا إلى تعليم الشعب في الحقول والخلوات .

 

المعمدانيون

 

كانوا من بين طائفة المستقلين ، درجوا علي أن يعمدوا الناس كباراً وصغار بعد أن يبلغوا سن الرشد ويعترفوا علانية بأيمانهم بالمسيح ، واشترطوا أن تكون المعمودية بالتغطيس في الماء علي نحو ما فعل المسيحيون الأوائل ، وكان من اشهر هؤلاء يوحنا بنيان الذي سجن في عهد تشارلز الثاني بعد كرومويل .

وكانت في عهد يوحنا بنيان أوروبا غارقة في الحروب .وفي إنجلترا أصرت الحكومة علي أن يذهب الشعب إلى كنائس خاصة بعينها يعينها القانون وان يستعمل كتابا خاصا للعبادة الدينية وكان يوحنا بنيان من جماعة الأحرار المنشقين الذي طارد فهم الشرطة وقسا عليهم حكم القانون ، فالصقوا به تهمة تسليح رجاله واتباعه وعصيان أوامر الحكومة وإثارة حرب أهلية .

ولد يوحنا بنيان في قرية ( الستوي ) علي مقربة من مدينة بدفورد بإنجلترا وكان أبوه سمكريا فاشتغل مع أبية هذه الحرفة ، وكان فقيرا مذعورا فكان وهو في العاشرة من عمرة لم يكن ينام بشكل عادي وانما كان نوما متقطعاً ، تنتابه نوبات من وخز الضمير ، تساوره المخاوف فكان شابا قلق النفس يغالبة اليأس ، كان شبح الخطية ماثلاً أمامه دائما يعذبه في يقظته وفي نومة ، واعترف مرة وقال " كنت زعيما لأصدقائي أقودهم إلى مسالك الرذيلة والاثم " واحس وهو شابان الله المنتقم يتعقب الخطاة ، وخشي الأبدية ورهبتها وفزع الموت ولم يرحب به ألا في أواخر حياته .

ماتت أمه وهو في السادسة عشرة ولما نشبت الحرب في إنجلترا شارك فيها وظلت هذه الحرب ماثله أمامه حتى ظهرت في كتاباته " سياحة المسيحي " التي يصور فيها بطل قصته مزودا بالسيف والرمح والخوذة ، والحصون والأبواب والحاميات وغير ذلك من معطيات الحرب  تزوج وهو في الحادية والعشرين من فتاه فقيرة كانت تمتلك خزانه كتب عكف علي قراءتها فكانت بداية حياته الدينية ، وهكذا كانت حياته سلسله من الأمراض النفسية والعقد أظهرها في قصصه وكتاباته ، فتارة يكتب قصة شاب يبحث عن الأيمان ويتحمل في سبيل ذلك الكثير من العقد والعناء وتارة يستعمل أبطال قصصه العنف والقسوة في سبيل تثبيت الأيمان كان يعقد حلقات دراسية لدراسة الكتاب المقدس ، فاعتبر هذا العمل خروجا علي القانون وعصيانا لأوامر الحكومة فقدم للقضاء والمحاكمة وطالبة القضاة بالتعهد بعدم العودة لهذا مستقبلا لقاء أن يطلقوا صراحة فرفض فاضطروا إلى الحكم علية بالسجن 12 سنه مخبرا أمام القضاة انه يوم أن يطلق سراحة يوم أن يعود إلى الجهر بتعليم الإنجيل .

قضي بنيان 12 سنه في سجنه بصير وفي أثناء فترة السجن كتب كتابه " الاقتداء بالمسح " وبعد أن خرج من السجن عاد للخطب والوعظ والكتابه والتأليف وتدور كلها حول التوبة ونوال الغفران .

 

 

سان فنسان دى بول :

بينما كان الإصلاح سائرا بخطي ثابتة في البروتستانتية ، كانت الكنيسة الكاثوليكية أيضا تهذب من نفسها خالعه عنها تذمت الماضي وجموده وحاولت تنفيذ مقررات مجمع ترنت ، أصلحت رتب الرهبنة أنشأت المدارس لتدريب رجال الدين واعدادهم ، وقامت الكنيسة بإسعاف الفقراء أغاثه المعوزين ، وعاش في فرنسا في القرن السابع عشر كاهن كاثوليكي هو فنسان دي بول

كان من طبقه الفلاحين بدأ عمله في بيت متواضع سمي دار لعازر ، ولذلك سميت جماعته

( لعازاريون ) في باريس حيث اخذ يدرب فسوسا ليكونوا مرسلين فعلمهم الوعظ بأسلوب بسيط يفهم من عامه الشعب ويرسلهم إلى ريف فرنسا وفي باريس درب سيدات من فضليات نساء فرنسا سماهن ( سيدات المحبة ) علي حمل الاطعمه والهدايا للمرضي في المستشفيات والعناية بالأطفال المهلين في الشوارع بسبب الفقر ، وامتد العمل من باريس إلى فرنسا ليشمل نساء الريف وفتياته واتخذت سيدات المحبة زيا خاصا ( قبعات بيضاء عريضة وأزياء زرقاء خشنه ، فمن أثناء الحرب الأهلية التي تفشت أثناءها الأمراض بدفن الموتى من المرض والقتلي من الحرب وكذلك دفن الجياد النافعة وحمل الطعام للجياع ، وضحوا بحياتهن في سبيل ذلك .

وكان فنسان دي بول موهبة عجيبة للتأثير علي الرجال والنساء ودعوتهم للقيام بأعمال الخير من اجل محبة السيد المسيح كما وضع نظاما لافتداء المسيحيين الذين كان الأتراك يبيعونهم كعبيد بعد الاستيلاء علي السفن التي كانت تقلهم ، حيث كان هو نفسه قد بيع هو صغير في الجزائر .

أرسل دعاه مبشرين إلى جزيرة مدغشقر ، ووضع برامجا لمعونة الفقراء من الفلاحين والحرفيين وتدريبهم علي هذه الحرف بشكل أجود حتى لا نعطي للجائع سمكه ولكن نعلمه كيف يصطاد ليأكل ويبيع ويعيش .

 

 

 

الباب السابع

 

انكماش الكنيسة الغربية

 

الكنيسة الغربية فى فرنسا

سبب من أسباب الثورة الفرنسية

 

 

كانت الكنيسة الفرنسية في القرن 18 هيئه شبه مستقلة استقلالا ذاتيا ، تتدخل في حياة المجتمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي علي جميع المستويات ، وتفلت في الوقت المناسب من هيمنة الدولة .

ومع إن الكهنة هناك لم يتجاوز عددهم المائة ألف فانهم ملكوا عشر الأرض فضلا عن التمتع بدخل لاستهان به من العشور المفروضة علي الفلاحين ، وكانوا يحكمون أنفسهم بمجامع تعقد مرة كل خمس سنوات .

وكان للكنيسة أرادتها الخاصة وهي مسئوله عن ماليتها وكانت معفاة من الضرائب ، ولكنها قدمت منحة استطاعت بها أن تفرض الضغط المالي علي الحكومة عن طريق التهديد بقطع هذه المعونه للخزانه أو خفضها .

ولم تكن الكنيسة مستقلة ذاتيا وحسب بل أنها مارست كثيرا من السلطة التي طالبت بها الحكومات المدنية فيما بعد فقد كانت تهيمن علي التعليم هيمنة تكاد تكون تامة ، وكان الأعلام في قبضتها جزئيا لان منبر الكنيسة كان الوسيلة الوحيدة لنشر الدعوة لسياسات الحكومة علي جمهور كبير معظمة من الأميين ، أضف ألي ذلك أن الكنيسة كان في استطاعتها منع المطبوعات التي كانت تري فيها خطرا علي الدين أو علي الأخلاق .

ولم تكن الكنيسة مالكه كبيرة للأرض فقط ، بل كانت مصدر للعماله في المدن وعلي سيبل المنال فقد كانت الطوائف والطرق الدينية تمد معظم المستشفيات بموظفيها وكان النبلاء والبورجوازيون قد ترابوا في مدارسها ، والسكان جميعاُ يحتفلون بأعيادها الدينية وكانت أملاكها تشغل أجزاء كبيرة من المدن ، ففي تولوز في الجنوب وابخيه شغلت المباني الكنيسة وحدائقها نحو نصف ساحة المدينة وكان نظام الكنيسة الفرنسية مرآه تعكس نظام المجتمع العلماني ، فقد فرق هذا النظام تفرقه حادة بين القيادة الكهنوتية الحاكمة والقاعدة من رجال الدين الفقراء ، وكانت هذه التفرقة تقوم أساسا علي شرف المولد "

فقد كان الاساقفه كلهم من النبلاء ، كذلك كانت رئاسة كثير من المجامع الكنيسية والبيوت الدينية للرجال والنساء حكراً علي الطبقة الإقطاعية دون غيرها ، بل كثيرا ما كان رؤساء الأديرة ورئيساتها ونظار الكنائس يعنون وهم ما يزالون أحداثا .

وشاع المجتمع بين المناصب ، وكفلت الرواتب السخية والمنافع المتجمعة رزقا مربحا لرجال الدين النبلاء .

وقد عين بعض كهنه المجامع الصغيرة في مناصبهم بفضل أسرهم البرجوازية القوية ، ولكن الغنائم الكبرى ظلت بعيدة عنهم فقد كانت العشور تنقل لصالح الأديرة أو كهنه الكاتدرائيات ، ويترك للخوري إعانة بسيطة ، مما دعا الكثيرين منهم إلى استكمالها عن طريق القيام بعمل إضافي متواضع .

أما القساوسة الوكلاء الذين لم يتيسر لهم هذا العمل الإضافي فكانوا يعيشون في فقر موقع .

والي جانب التناقض الداخلي في الكنيسة بين الاساقفه من اصل نبيل ورجال الدين من المراتب الدنيا فقد قام التناقض بينهما وبين الفلاحين ، فقد شاركت الكنيسة بوصفها مالكه كبري للأرض ، ومالكه ملكية إقطاعية في إدارة أملاكها إدارة غلبت عليها روح الكسب الأمر الذي رأي فيه الفلاحون جشعا وبخلا قبيحين .

وقبل الثورة الفرنسية كان رجال الطبقة الدنيا من الكهنة قد اخذوا يهاجمون ما أسموه بتسليط النبلاء الأرستقراطي داخل الكهنوت ويطالبون بالمزيد من النفوذ داخل المجامع الخمسية وقد أدي تمرد الخوار نه ( جمع خوري ) عام 1780 الذي طالبوا فيه بتمثيل اكبر في مكاتب الاسقفيات إلى إعلان ملكي حرم عليهم " تشكيل اتحاد أو حلف " ولما كان قسيس الايبرشيات يسيطرون في الغالب علي مسامع جهود كنائسهم متحققين بعطف الناقدين المثقفين لكبار رجال الدين فقد ضاعف هذا التصدع في صفوف الكنيسة من الخطر علي رؤساء الاكليروس .

وقد أتيح لكهنة مدينة انجية فيما بعد الحصول للقساوسة علي كل القاعدة ألا ربعه في مجلس طبقات الأمة 1789

وقد لغت التطورات الكامنة داخل الكنيسة ذروتها في عام 1788 حين خرج المجمع الكهنوتي علي تحالفه التقليدي مع التاج وانضم إلى النبلاء في الهجوم علي الملكية فقد أسفرت هذه المواجهة السياسية التي قام بها رجال الدين عن تفاقم الصراعات الداخلية وتحريض القسس علي التحالف بدورهم مع البورجوازية عندما شبت نار الثورة الفرنسية 1789 .

 

 

الكنيسة الأوربية فى القرن التاسع عشر

 

 

بزغ القرن التاسع عشر وسط أعاصير الثورة الفرنسية ، وكان العالم في دورين من ادوار الانحلال الاجتماعي والفكري ، فلقد شهد القرن الثاني عشر نهضة الاستنارة الذهنية التي أعطت الناس سعادة النفس وسمو الفكر ، وذلك الإيمان الوطيد الذي كان ملاذاً وحمى وحطمت الشكوك الفلسفية تلك النظريات التقليدية الراسخة التي اعتزت بها الكنيسة دهورا ، والتي تسلطت على الفرد منذ القرون الوسطى إلي القرنين السادس عشر والسابع عشر أمسكت بيده في سبل الحياة الآمنة الهادئة .

وبزوال هذه النظريات الدينية التقليدية عن الكون الذي سيطرت عليه الحياة المعنوية الروحية في الفرد والمجتمع ، زالت أيضاً الدعامات التقليدية التي قامت عليها الكنيسة والدولة وكان من أثار ذلك تلك الاستنارة العقلية المجردة نشوب الثورة والاضطراب ومنذ بداية القرن التاسع بدأت عدة تساؤلت :

-        هل يمكن إعادة الدعائم التي تحطمت ؟

-        هل يعود المجتمع المحطم بنيانا راسخا وطيداً من جديد ؟

-        هل يسترد العالم المسيحي إيمانه السليم الذي يعصمه من التردي في تيه الغلالات العقلية ؟

هذه الأسئلة التي يجيب عنها تاريخ الكنيسة في القرن 19 كانت الثورة قد كلفت الكنيسة الفرنسية ممتلكاتها ، لان الدولة صادرتها وجعلتها ملكا لها كذلك تطورت الحوادث السياسية في ألمانيا وسادت في هذا الاتجاه نفسه أعيد تنظيم الكنيسة بمقتضى معاهدات مع الكرسي البابوي ، وعدلت حدود الايبارشيات وفق الحدود الإقليمية على جانب هذا التطور التاريخي استيقظت روح رومانسية تغلب الخيال والعاطفة على العقل ، وكانت بمثابة رد فعل للنظريات والآراء الفلسفية التي نادى بها القرن 18 .

تعرضت المسيحية في أواخر عصر النهضة لموجه الحادية نتيجة إهداء الإدارة الاكليريكية الكاثوليكية لكثير من القيم ، ولكن ما لبث عصر عودة إلى الحين إلى المسيحية القديمة ، وبعد فرض الحرية التي أعقبت الثورة الفرنسية ، التمس الناس سلطة عليا ثابتة وطيدة الدعائم ، من هنا نشطت الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية في بواكر القرن التاسع عشر مستهدفة حياة جديدة ، وتكلفت الكنيسة الكاثوليكية لاول مرة إلى رومانسية القرون الوسطى إلى كانت تلك القرون الوسطى عصوراً امتلت بكل عجيب من خفايا الدين وأسراره . وازدهرت فيها السلطتان ( الإمبراطورية والبابوية ) ولم يتبق حبه إلا البابوية

 

 

انفصال الكنيسة عن الدولة

في منتصف القرن 19 ظهرت ظاهرة لها أثرها في تطورا التاريخ في الكنيسة ، ونحن إذا القينا نظرة ألي ميسرة التاريخ وتطوره من القرون الوسطى للان ، والى العوامل التي قوت مكانه الكنيسة بين الدول العظمى ، نجد في منتصف هذه القرن أننا أمام مرحلة جديدة تنتهي بها العلاقات القديمة بين الدولة والكنيسة ، فمن قبل أي بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية ، خفقت الدولة يوم كانت طفلا في المهد لسلطان الكنيسة ، وكان هذه هو الحال أيام جريجوريوس السابع واينوستت الثالث ، ثم لما بلغت هذه الدولة رشدها واشتد ساعدها أخفقت الكنيسة لسلطانها ، وقد بدأ هذا التطور في القرن الرابع عشر وبلغ ذروته في القرن الثامن عشر

فأولا تخضع الدولة ثم تخضع الكنيسة للدولة ، ألان فتبدل الموقف أعجبت هذة التبعية المتبادلة ، ونشهد في منتصف القرن 19 حركة استهدفت تخليص الكنيسة من الدولة وتخليص الدولة من الكنيسة بحيث تكون كنيسة حرة في دولة حرة أيضا .

ومن هنا ترى الاتجاه الفكري في العالم المتحضر اليوم يسير ألي فصل الدين عن الدولة فتتولى الكنيسة مهامها الروحية في حرية تامة ، وتضطلع الدولة بمهمة الحكم والقانون والنظام ونرى شعوب القرن وزعمائه يجاهدون لترقية الإحساس الاجتماعي الذي يعبر عنه بالوعي القومي مجرداً عن دين معين .

 

 

كنيستنا وكنائس الغرب

بعد هذا العرض الموجز لتاريخ الكنيسة في الغرب ، ما دار فيها وما انتهت إليه من تفريقات بروتستانتية تفرعت هي الأخرى إلى شجرة من الأفرع ابتعدت كلها عن الإيمان الأرثوذكسي القديم وشاهدنا صورا إلا تليق برجال الدين أو بالكنيسة آدني بلاشك إلى ثورة واستنكار من أبنائها لها ولقادتها ، ورأينا كيف كان الخيمة باستمرار إلى الماضي إلى التقليد إلى بساطة الكنيسة الأولى .

كل هذا وكانت الكنيسة الأولى هي هنا في مصر ببساطتها وتقليدها وألحانها وقداسها كانت ثمر بها أحيانا سلبيات ولكنها كانت تتداركها بغير خروج على الإيمان أو انحراف عن الرأي المستقيم ، قاست الكثير من الاضطهادات ولكنها ظلت حلبة مؤمنة يربها وبشخصيتها حتى وصلت إلى اليوم ، فارهه سوادء جميلة ، شمس التجارب قد لوحتها ، ولكنها رغم الدموع الأنين أوصلت الأمانة الأرثوذكسية كاملة نامية إلى أيدينا، بعد أن دفعت الثمن دما ودمعا وصلاة مستمرة

سعت الكنيسة الأوربية أخيرا إلى فصل الدين عن الدولة بعد صراعات كثيرة بينهما كقوانين تلوننا تارة بالسياسة وأخرى بالدين ، في حين كانت كنيستنا القبطية بعيدة عن السياسة فظلت محترفة نفسها على طول المدى .

كثرت ثورة الكنيسة الغربية وبالتالي زاد جاهها ، فاتفقت حتى وصلت إلى تجنيد الجيش واخيرا انفجرت من كثرة الشبع ، في حين أن كنيستنا بجوعها وفقرها قدمت البركات من : صلوات – قديسين – كتب ومؤلفات في جميع الأفرع ، قضت على الجهل الذي كثيرا ما يفرض عليها وفى يوم أن بدأت كنائس الغرب تفيق بعد صراعها مع الشبع والثروة تارة ومع  الانفجارات في داخلها تارة أخري ، بحيث وجدت أنها فقدت تراثها ، ولم تجد من يسلفها غير الكنيسة القبطية .

ولكن مظاهر الحقد التي كانت تسيطر على الغرب تطرق إلى الكنيسة ، فبدأت غارات الكاثوليك على كنيسة مصر الأرثوذكسية منذ أزمان طويلة ، فبعد بدعة الحروب العلية التي قام بها الغرب برفقه من كنيسة لتخص مآسيها وتغطى أخطائها ، دفعت كنيسة الأقباط الثمن على اعتبار أنها كلها مسيحية واحدة في نظر المسلمين ، أولئك المسلمون الذين ما لبثوا أن تبينوا الحق من الباطل وعادوا أدراجهم إلى العلاقات الطيبة مع مسيحي مصر من الأقباط ثم نجد أن الكاثوليك في عدة موجات يغيرون على الأقباط لإدخالهم في مذهبهم ويفشلون ففي عهد البابا يوحنا 16 البطريرك المائة والثالث حضر إلي مصر سنة 1692 فضل فرنس يدعى مولبية ، وكتب كتابا عن مصر وعن الأقباط قال فيه عنهم انهم اقل جهلا وغشومه ولكنهم متشبثون بما يحسبه غيرهم هرطقة " ثم أورد شاهدا على ذلك فقال " إن المرسلين اللاتيني مع ما كانوا عليه من الجهارة واالجداره لم يستطيعوا أن يجذبوا إليهم واحدا منهم رغم طول بقائهم بينهم وعمل كل ما في وسعهم لاقناعهم " وقال " انه لم بقوا المرسلون على اجتذاب القبط إليهم بالإقناع ، فدبروا حيلة أخري عندما وزعوا صدقات نقدية على من يحضر منهم إلى كنيستهم فالتجأ إليهم جمع غفير من الفقراء ، ولما استبدل رئيس المدير بغيره ألغى التصرف بهذه الكيفية ، فتركه هؤلاء الفقراء "

ومما رواه هذا الكاتب عن شدة تمسك الأقباط بعقيدتهم أن لويس الرابع عشر ملك فرنسا طلب منه أن تتجنب ثلاثة من شبان الأقباط الأذكياء من عائلات طيبة ويرسلهم إلى فرنسا ليتعلموا على نفقة الحكومة الفرنسية ، فلم يرص أغنياء الأقباط ولا فقراؤهم أن يسلموا أولادهم خوفا من أن يغيروا عقيدتهم ، وكان المرسلون الآتين قد فتحوا مدارس لتعليم الشبان ، فبمجرد إشاعة الخبر منع الأقباط أولادهم عنها ، فأصبحت خاوية ولم يبق مع الكاثوليك الانفر قليل من الفقراء ، الذين أخذوهم من والديهم وهم أطفال وربوهم منذ نشأتهم على المتفق الكاثوليكي .

غير أن هذه الطريقة التي عمدوا إليها لم تنجح ، وان كثيرين من أولاد الأقباط الذين علموهم في روما عندما عادوا إلى أوطانهم عز عليهم ترك معتقدهم الأصلي فرجعوا إليه ثانية فضلا عن ذلك فإنه لم أدرك الأقباط أن المرسلين الكاثوليك لا يأخذون أولادهم لتعليمهم شفقة عليهم وانما ليلقونهم المذهب الكاثوليكي امتنعوا عن تقديم أولادهم إليهم حتى الفقراء منهم "

وقال المسيو كذلك " وحتى الذين كانوا يتصورون جوعا وكنا نعطيهم طعاما امتنعوا عن المجي إلينا خوفا من أن تكلفهم "

وكان بعض الأقباط التابعين لاسقف روما قد غشوه بأن بطريرك الأقباط اظهر رضاءه عن مدارس الإيطاليين ، أمر رعيته بتعليم أبنائهم فيها ، فلما اطلع مولبيه على الحقيقة افهمه بان البطريرك القبطي لم يكن يعترف بأعمال ولا بوجود المرسلين الإيطاليين ، بل كان يفترض عدم وجودهم تماما في البلاد العربية .

ولما رأى الآتين عدم نجاح ساعيهم في مصر حولوا التفاتهم مرة أخرى للحبشة فبعد أن أرسلوا ثلاث إرساليات أخرها كانت سنة 1706 أرسلت بابعاذ من الملك لويس التاسع عشر ملك فرنسا طبيا للحبشة يدعى ( دى رول ) ليدر يحسن سياسته مع ملكها تمهيد الطريق إلى سنار قبطي الحاكم هناك عليها ، وحجز الطبيب لدية أطلق سراح الترجمان لكي يذهب للملك ويطلب منه السماح بدخولها إلى بلاده ولكن ملك الحبشة رد عليه بأن إذا كان قاوما بصفه سائح فلا باس من ترك الحرية له ليدخل بلاده ، وأما إذا كان من اليسوعيين فلا يدخل الحشية ، وهكذا منع من الوصول إلى جيشه إلا أن الكاثوليك لم يعدموا الحيلة في الدخول إلى مصر ؟، ففي عهد الحملة الفرنسية على مصر 1798 – 1801 دخل بدخولهم كثير من الإفرنج واستقروا فيها حتى بعد خروج الحملة منها ، وتمتعوا بحماية فرنسا . ولما تولى محمد على حكم مصر 1805 استخدم هؤلاء في مصالح عديدة ، فتتابعت في أثرهم الإرساليات اللاتينية من : الفرنسيسكان والفرير والجزوديت ، وقدسوا في أيام محمد على بضم كنيسة مصر إلى كنيسة روما ، لان التنظيمات الجديدة التي صارت في مصر كان يقوم بها فرنسيون ، فلما رأى محمد على نفسه مغمورا بعطف الفرنسيين أراد أن يقابلهم بمثل هذا المعروف ، فنصحه أحد قواد جيشه وكان كاثوليكيا أن يسعى في ضم نصارى مصر إلى كنيسة روما فيكون هذا اكبر جميل يصفه الفرنسيين حماه الكاثوليكية في العالم في ذلك الوقت ،

فاستدعى محمد على المعلم غالى الذي كان كبير الكتاب في ذلك الوقت وأمره أن يفعل ذلك أي يتبع الكاثوليك ، فاضطرب المعلم غالى جدا ، وخاف من وقوع الفتنه بين الطائفين فأجاب الباشا " أن استحالة الطائفة جميعا إلى مذهب كنيسة روما دفعة واحدة لا تنتهي بدون قلاقل وسفك دماء كثيرين ، فنرى الأحسن أن يكون ذلك بسياسة وتدريب أننا نعتنق نحن أولا المذهب الباباوى بشرط ألا نكره على تغيير طقوسنا وعاداتنا الشرقية وبذلك أن تميل افرد الطائفة رويدا رويداً ، فقبل الباشا هذا الرأي واخبر الإفرنج فرحبوا وانقلب المعلم غالى وابنه باسيليوس بك وجمع من إشباعهما في مصر واخميم إلى الكاثوليكية بالظاهر وهم يغمرون انهم بعد حين يعودون إلى حضن الكنيسة ألام ، ومع ذلك مازالوا يعتبرون كهنة أرثوذكسيين حق الاعتبار ويعمدون أولادهم عندهم .

غير أن المعلم غالى لم تأت بنتيجة فنبذ هو و أهله من الأرثوذكسي ولم يتبعه أحد منهم ، أرسل المعلم غالى قبطيا من قبله إلى بابا روما وليعينة بطريركا على مصر يكن هو اتباعه خاضعين له كل ذلك إرضاء للفرنسين ، وتقر بالهم ليحفظوا له مكانه في الحكومة ويخلصوه من المفارق ألا أن محمد على أدرك خطورة هذا الأمر فيما بعد وقتل المعلم غالى في زمني في أوائل مايو 1822 واول بطريرك كاثوليكي أقيم للأقباط هو كيرلسى مقار 1899 وعندما رسم بدا ينشر المنشورات متطاولا فيها على المقام البطريركى داعيا أبناء الكنيسة القبطية إلى الانضمام لروما ، ثم طاف في الوجه القبلي بنشر أفكاره ، ويزعج الخواطر بتعاليمه فاخطر البابا كيرلس الخامس إلى مقاومته ، وحرر منشورا يحذر فيه الأقباط من الانقياد لهؤلاء القوم مذكرا إياهم بجهاد إبائهم من اجل الامانه الأرثوذكسية ، وظل الصراع إلى اليوم .

 

 

الإرساليات البروتستانتية إلى مصر

دخل المذهب البروتستانتي إلى مصر في منتصف القرن 19 ، عندما جار مرسل أمريكي أليها يدعى دكتور لانسن أقام بالإسكندرية ، وجاء بعده مرسل سكوتلندى هو الدكتور يوحنا هوج ، وبعدما لبثا بالإسكندرية مدة أخذا يطوفان البلاد راكبين النيل يدعوان إلى مذهبهما تحت تخويف محمد على للأقباط كما رأينا وفي سنة 1862 جعلا مركز بتبشيرهما القاهرة ، وبعد أن انطلق الدكتور هوج الحق أسيوط سنة 1865 اتخذها مقرا لعملة التبشير أسس بها كتبة بروتستانتية سنة1867

وقد اتبع في ضرب الأقباط وسائل ترغيب رخيصة ، وبدا يصغر من شان الكنيسة القبطية في نظرهم حتى أن بعض هؤلاء تجرا أو في أسيوط على الهجوم على كنائسها ليلا وكسروا أيقوناتها فشكاهم البابا ديمتريوس الثاني للخديوي فاصدر أمرا ينفي المبشرين إلى البحر المتوسط ، فلجاوا إلى قناصل الدول طالبين حمايتهم فلبوا طلبهم بالطبع ، ومنعوا أمر نفيهم ، وظلوا يزيدون من اسالبهم الرخيصة في سرقة أبناء الكنيسة القبطية ودخلت بعدهم مذاهب بروتستانتية أخري مثل البلموس والإصلاح والسيتيين والحفاه والإصلاح .. الخ